حجم النص
بقلم :محمد عبدالجبار الشبوط
يصعب عليك ان تخفي الحقيقة وانت تشاهد رجل دين بعمامة بيضاء، لكن بزي زيتوني موروث من ايام الطاغية المقبور. يصعب عليك ألا تقول ان الزيتوني يعود مجددا، وان البعثيين يكملون اختطاف الاعتصامات السلمية، ويضعون اللمسات الاخيرة لسيناريو شن الحرب الاهلية الجديدة، بعد ان ضاق صبرهم، وقرروا «حرق المطالب». لا مطالب في الحقيقة سوى مطلب اسقاط الدولة القائمة، بحكومتها ودستورها وانتخاباتها ومسيرتها الديمقراطية. صرفنا الوقت الكثير في الحديث عن المطالب المشروعة، والمطالب غير المشروعة، وصرفنا وقتا طويلا في تحديد عائدية المطالب، وقلنا ان قسما منها يعود الى الحكومة، والقسم الاخر الى البرلمان، فيما يعود قسم ثالث منها الى الحكومات المحلية في المحافظات المنتفضة. بل ان الحكومة صرفت وقتا كثيرا وجهدا كبيرا في تنفيذ ما يقع تحت مسؤوليتها وصلاحياتها من هذه المطالب، بل يمكن القول انها حققت معظمها، ولم يعد هناك ما يستحق التظاهر والاعتصام. لكننا لم نفاجأ بعد اكثر من اربعة اشهر، واذا بقادة الاعتصامات التي كانت سلمية يعلنون عن «حرق المطالب». حرق المطالب بعد ان استجابت لها الحكومة؟ ام ان تحقيقها سحب البساط من تحت اقدام المخطط الحقيقي وراء كل ما يحصل؟ ام ان ما حصل كان مسرحية لمشاغلة الناس عن حقيقة ان هناك مخططا يستهدف اطلاق حرب اهلية جديدة؟
منذ البداية، ومنذ ان قامت دول اقليمية بفتح قنوات الاتصال باشخاص محليين من اجل البلبلة في البلد، والقصة معروفة والاهداف محددة، وهي اسقاط العملية السياسية الراهنة بكل مؤسساتها و بكل ما تمثله وبكل ما تعنيه. وللاسف اقول ان البعض انطلت عليه اللعبة، إنْ لم يكن منخرطا فيها اصلا، وراح يركض وراء شعارات وافعال وممارسات تستهدف ذر الرماد في العيون، ولفت النظر عن الهدف الحقيقي.
لا داعي لتغليف الكلام، ودفن الرؤوس بالرمال، فليس بيننا من يحب التشبه بالنعامة. كشف خطباء الجمعة الماضية في الفلوجة والرمادي ما تبقى من السر، وازاحوا ما تبقى من الستار، وانكشف الغطاء، وانحدر خطابهم المعلن الى درك الطائفية البشعة، واستلوا سيوفهم، وجيّشوا جيوشهم، والهدف ليس بغداد، جغرافيا، انما العملية السياسية والدولة التي تمثلها اليوم، وهي دولة تختلف عن الدولة التي كان ينتمي اليها خطباء الجمعة على مدى 35 سنة مضت. زالت دولتهم، وانكسرت شوكتهم، لكنهم يعملون من اجل استعادتها، واعادة عقارب الساعة الى الوراء. الذين لم يقاتلوا الاميركان، يستعدون اليوم لمقاتلة اخوانهم من العراقيين، لأسباب طائفية بحتة وسياسية رخيصة، فلا مطالب ولا هم يحزنون، وها هم يحرقون مطالبهم علنا، ويظهرون بالزي الزيتوني، ويعلنون تشكيل مليشياتهم وجماعاتهم المسلحة، بعد ان اعلنوا من قبل عن توحيد قاعدتهم مع نصرة الشام، لتأصيل البعد الطائفي للصراع، مادام «العدو» واحدا.
لا معنى للحديث بعد اليوم عن المطالب، وعن مساعي الحكومة لتحقيقها، بعد ان اعلن اصحابها حرقها امام الاشهاد. وعلى الحكومة، وعلى اهل الحكم قاطبة، ان يدركوا الان ابعاد اللعبة، وحقيقة الاهداف غير المعلنة، ليكون رد الفعل بمستوى الفعل القائم، والفعل المزمع القيام به من قبل خطباء الجمعة الذين تخلوا عن سلمية الاعتصامات واختاروا طريق المواجهة المسلحة. انهم يخططون لحرب اعلنوها ضد العملية السياسية ودولتها الراهنة، ويخططون لحرب اهلية جديدة بعد ان خسروا الحرب الاولى في عام 2006-2009. وهذا ما كانوا يسعون اليه منذ البداية حين طرحوا ورقة المطالب ورفضوا التفاوض من اجلها، لانهم كانوا يخططون لحرقها بعد حين، بعد ان يستجمعوا القوة والمال والحضور.
كيف نصدق ان «جيشا» يشكل ويسلح بدون دعم مالي خارجي؟ كيف نصدق ان هذا «الجيش» المزعوم يتحرك بعيدا عن سند دولي يخطط لاسقاط العملية السياسية؟
احدنا لا بد ان يكون غبيا: من يحدثنا عن المطالب السلمية، او من يصدق هذا الحديث. لله الحمد، لسنا اغبياء!!
أقرأ ايضاً
- سلطة المشرع في إصدار النص القانوني المقضي بعدم دستوريته مجدداً
- ازمة الكهرباء تتواصل وحديث تصديرها يعود الى الواجهة
- هل تسطيع السعودية اغراق اسواق النفط مجددا ؟