- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
امير الشعراء .. ام بعير الشعراء ..؟!
حجم النص
بقلم ليث فائز الايوبي
(امير الشعراء) برنامج ومسابقة شعرية حصرية خاصة بالشعر الكلاسيكي التقليدي الفصيح ، ترعاها دولة الامارات العربية ممثلة بهيئة التراث والثقافة في ابو ظبي ، وهي هيئة تنتحل علنا كما يبدو لي صفة هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بطابعها الثقافي ستارا لها لتمرير مشروعها المبطن في تقويض الشعر العربي المتجدد واقصاء الشعراء المتفردين وترويج واحتضان كل ما هو غث وعابر وملفق ، لغايات في نفس يعقوب .. بمعونة عدد من النقاد الكهول وثلة من اللاعبين بالبيضة والحجر..!
.. هذا ما لمسته شخصيا من خلال تجربتي اليتيمة في دورتها المنصرمة ..
التي قررت بعدها ان تكون مشاركتي فيها حصرا لغرض الاستجمام برحلة مجانية مسلية .. والعودة منها غانما بلقاء الاحبة والغرماء لا اكثر .. !
فهذه المسابقة الطريفة بامتياز تكاد تكون فعلا مثيرة للريبة والجدل والشك والشفقة والحفيظة والسخرية في ذات الوقت ، وهي تسطو عن سابق اصرار وترصد على لقب ( امارة الشعر) بلا ادنى خجل ، وتمنح عباءته لكل من هب ودب مقابل بعض المدائح الممزوجة بالنفاق ومسح الاكتاف ورفع شأن هذه القلعة الرمزية المتواضعة او ذلك الضريح المطلي بالرخام او ذاك الامير النائم في قيلولة الفقدان ، والدليل اسماء امرائها المزعومين من الشعراء المتعاقبين على مدار دوراتها الاربع المنصرمة وخمول ذكرهم قبل وبعد انتهاء البرنامج .. بدءا من الامير الاماراتي صاحب اللقب الاول ( الذي يبدو ان العباءة ضاقت عليه فقرروا فتقها لتكون ملائمة له ولمن سيليه من المتسابقين الفرحين ) وحتى آخر امير انطفأ نجمه فور اسدال الستارة كعادة من سبقوه من امراء الشعر النفطي ، مع بعض الاستثناءات الطفيفة طبعا لذر الرماد في عيون المتابعين .. هل هناك متابعين ..؟! وهي فضيحة اخرى نؤجل الحديث عنها تحسبا لما لا يحمد عقباه ، فهم ( أي امراء الكاميرا الخفية تلك ) اشبه ما يكونون بالفقاعات الاعلامية اللزجة التي سرعان ما تنفجر بمجرد اسدال ستائر الفعاليات ، حتى يلفهم النسيان ويطويهم الخمول مكتفين بحمل اكياس دراهم المشيخة وآبار بترولها الاسود على هودج من الزعيق والهتافات والبخور والتصفيق المحسوب الى مثواهم الاخير .. وهي ملاحظة جديرة بالتأمل يفترض عدم المرور عليها مرور الكرام ! .. منوها ان اغلب من شارك في تفاصيل اقامة هذه المسابقات الباذخة في الجزيرة العائمة على بحر من النفط وعايش اجواءها واحتك بموظفيها النزقين ولجان تحكيمها المكونة من دمى تتلقى اوامرها من وراء الكواليس او من عضو محلي سمج وفائض عن الحاجة ناقم على نفسه والمحيطين به وعلى كل من يشعره بضآلة الشأن .. خال من اللياقة وبلا فهم موضوعي ولا دراية ولا مؤهلات حقيقية ولا .. ولا .. والغريب ان يكلف هذا ( المحشور قسرا ) بتولي مهام اكبر جائزة عربية في الشرق الاوسط ( لقلة الخيل ..) ليس الا ..!
اكرر .. ان من ساقه حظه العاثر للوقوف تحت مجهر لجنتها التحكيمية الغارقة في كثبان فهمها القاصر للشعر وضيق افقها وخيالها وقصور ادواتها . او حتى التماس المباشر مع هيأتها الاستشارية المموهة وراء الكواليس ومخططاتها وغاياتها الشخصية ومعايير اختياراتها للمتبارين ، ولمس عن قرب امكانيات المشاركين في تصفياتها الاولى من كلا الجنسين وما يجري في كواليسها من مفارقات عجيبة تثير الضحك والاستهجان وانتهاكات وخرق واستهانة واضحة بالشعر الحقيقي وعدم احترام للمواهب المتفردة ، سيلمس فورا ان الغرض الحقيقي من كل هذا الاهمال هو الحط من شأن الشعر العربي وترسيخ وترويج ظاهرة الشعر النبطي ( الخليجي ) خصوصا في مسابقات دسمة مسلية ( كشاعر المليون) الذي تكاد جائزته الاولى حصرا تتجاوز ياللسخرية القيمة الكلية لجائزة نوبل للاداب ( فتصور ... ! ) وتفوق جوائز الشعر الفصيح في ( امير الشعراء ) مجتمعة بخمسة اضعاف لاسباب واضحة ومضحكة في نفس الوقت لها صلة بضحالة العقلية البدوية القبلية التي تتحكم في تلك الكثبان الرملية المطلية بناطحات السحاب وهشاشة منظومتها الثقافية وقصر نظرها وغفلة من يسعون لاكتساب الاهمية عن طريق التمرغ باشعة الشمس لتلويثها لا غير .
الشعر (النبطي ) كما هو معروف شعر دارج وسطحي لا يتورع في احد اهم اغراضه عن مغازلة الابل والبعران ووصف اعضاءها التناسلية اذا اقتضت الضرورة ذلك والتشبيب باسماء اناثها بطريقة شاذة مقززة تثير الاشمئزاز، على اعتبار ان مهام من يزاول كتابتها تكمن باستحضار طقوس جاهلية موغلة بالغرابة وانعدام الكياسة تتزامن مع تنظيم مسابقات الهجن والمراهنة على سباق البعران والمضاربة باسعارها وشد ازر مالكيها للدخول في مراهنات ومزادات مالية فلكية جسيمة من قبل حديثي النعمة من شاربي النفط العربي ومشتقاته والمتمرغين في خيراته .
وهيأتها الاستشارية – عودة الى موضوعنا - مكونة حسب معلوماتي من شخص سوداني مجهول الاسم والصفة والتأثير وشاعر عراقي سابق كان يرطب وسائد الطاغية بلعاب القوافي والقنابل الصوتية الفارغة والعويل ، اما اليوم فلم يعد يتورع امتدادا لمهنته القديمة عن مغازلة الابل والبعران في مضارب ودواوين شيوخ النفط الجدد وخدمهم لاكتساب الرضا واكتناز المزيد من الدراهم النفطية المغرية ومشتقاتها .. !
في تلك الدورة الوحيدة التي جازفت بالمشاركة فيها بناءا على طلب احد الشعراء العراقيين المتميزين الذي فشل كما اخبرني بالحصول على بطاقة التأهل للوقوف امام مدرجات شاطيء الراحة في ابو ظبي ، منوها ان جميع الشعراء العراقيين الكلاسيكيين المعروفين بدون استثناء ضيوف دائمون على مدار دوراتها المتعاقبة ، دون ان يكتسبوا شرف الاعتراف بشاعريتهم من قبل لجانها القراقوشية ، مكتفين باختيار خجول لاثنين او ثلاثة وفق اعتبارات وقياسات لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم وشاعرنا الناقم فقيد الطاغية اياه ..!
لم اصادف اثناء حضوري امام اللجنة التحكيمية في تلك المسابقة مواطنا اماراتيا واحدا باستثناء ذلك المنطاد الكبير الذي توسط اثنين من النقاد العرب المعروفين د. صلاح فضل وعبد الملك مرتاض ، وكان واضحا انه – أي المنطاد – قد وضع في غير موقعه وكأن وجوده يتسم بالتنافر بين هذين العملاقين الجليلين بالنسبة له على اقل تقدير ..! وانه يؤدي دور منديل الحيلة الشرعية لزيجة مؤقتة لا تدوم سوى اسابيع من الاضواء والقدود الحلبية والتصفيق والزغاريد ، ثم سرعان ما يتم اسدال ستائرها كأي مسرحية تجارية عابرة وتلملم اقنعة ممثليها وكومبارسيها ولافتاتها وعكازات مسنيها ومشعوذيها ودموعهم ..
لكن مبعث الغرابة لا يكمن الا بصعود وتأهل مشاركين من كلا الجنسين ، طالما اطلعنا على نصوصهم الشعرية المتواضعة بسبب حداثة تجاربهم ولاشك اثناء مكوثنا في ابو ظبي ، وبعضهم او بعضهن اقروا امامنا علنا بالافتقار لنظم الشعر الكلاسيكي وعدم درايتهم بالبحور الشعرية ، ثم نفاجأ بعد تأهلهم على حساب المؤهلين الاصليين من على شاشات التلفاز وهم يرتجلون كتابة ابيات شعرية على الهواء مباشرة .. ويجتازون الاختبار بمنتهى الصفاقة !
فكيف لا تساورنا الشكوك بمصداقية هذه المسابقة المتسترة باوراق التوت او ( المضمار ) المعد اصلا لسباق الهجن مع احترامي لكل الزملاء المشاركين او الذين سيشاركون في هذا الموسم ..
متسائلا .. هل هي مسابقة لشعر الهواة الغرض منها تبني مواهبهم والخروج بهم في نزهة سياحية الهدف منها وصف معالم باردة تفتقر لدف الكلمات .. ام هو السعي المحموم لتأسيس مضمار دائم لبيع الابل واشاعة ثقافة الصوت المرتفع والزعيق الحاد والتلويح بالايدي وذرف القوافي في مأتم ( الشعر ) ؟! في غياب ( الشعراء ) !!!
انها مجرد اسئلة ساخطة امام ما يجري باسم الشعر .. ليس الا !