حجم النص
بقلم :شاكر فريد حسن
ينتابني احساس بالحزن والمرارة والألم ،لما آلت اليه الاوضاع السياسية والحياة الاجتماعية العامة في العراق ، منارة التاريخ ، وبلد العلم والثقافة والابداع والتراث والحضارات والفن الراقي ، وبلد الحب والجمال والاصالة والكرامة والمحبة والتسامح . هذا البلد ، الذي طالما احببناه واردناه بلداً للحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية ، لكنه تحوًل،للاسف والاسى، بلداً للفقر والبطالة والفساد والامية والجهل والتخلف والتسول ، ومسرحاً للشقاق والخلاف والتجاذب السياسي والصراع الطائفي والمذهبي والعشائري ، وساحة للتفجيرات الدموية الاجرامية البشعة والآثمة المدانة والمتواصلة ، التي تعصف فيه ،وتهز شوارعه واسواقه ودور العبادة فيه . هذه التفجيرات ، التي تقترفها وترتكبها القوى الظلامية الارهابية والزمر المجرمة بحق الجماهير العراقية العريضة الواسعة المنتفضة ضد سياسة النظام الحاكم ، مستغلة اجواء التشنج والتهيج الطائفيين والصراع على المغانم والمصالح والمناصب والسلطة .
ولا شك ان هذه التفجيرات ، التي طالت مناطق متفرقة من بغداد العاصمة وغيرها، وراح ضحيتها جرحى وقتلى عراقيين من الابرياء العزل، تشكل حلقة في مسلسل الاستهداف الطائفي، وتبغي اولاً، وقبل كل شيء، جر البلاد الى حالة من الفوضى واثارة النعرات الطائفية والعقائدية والعشائرية ، واشعال نار الفتنة وتأجيجها بين مكونات الشعب العراقي ، وتمزيق وحدة العراق ونسيجه الاجتماعي. وواضح تماماً ان من يقف وراء هذه التفجيرات الدموية هي اجندة اجنبية ودولية واقليمية معادية للعراق ،حيث تستغل الحالة السياسية المحتقنة والمأزق السياسي الراهن ، الذي يعيشه هذا البلد ويلقي بظلاله على مناحي الحياة كافة . ولتنفيذ مخططها القذر هذا ، الذي يستهدف سيادة العراق واستقلاله ووحدته واستقراره ومستقبله، فانها تستخدم منظمات وقوى مأجورة وعميلة في داخله.
ان من حق الجماهير العراقية أن تثور وتنتفض ضد سياسة الدكتاتور الجديد الحاكم بالحديد والنار ، واحتجاجاً على تردي وتدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتدني مستوى المعيشه ، واستفحال مظاهر الفساد ، واستمرار سياسات القمع والتعذيب والاقصاء والتهميش والاستقطاب الطائفي . والمطالب، التي ينادي بها المتظاهرون في الشوارع والساحات العامة في انحاء مختلفة من العراق، هي مطالب شعبية وديمقراطية وعادلة ومشروعة وقابلة للتطبيق والتنفيذ.
ومن نافلة القول، ليس هذا العراق الجديد ، الذي حلمنا به وبشرنا فيه ، وليس العراق، الذي نريده ان يكون نموذجاً ومثالاً للتعايش والمدنية والتعددية والحرية والديمقراطية والعدالة والازدهار الثقافي والادبي والتطور العمراني والرخاء الاجتماعي والاقتصادي .فالعراق الحاضر سيظل في دوامة الصراعات والنزاعات الطائفية والفئوية والسياسية ما لم يتم تصحيح المسار، وتضميد الجراح، وشفاء العقول المريضة، وتجذير الوحدة الوطنية ،والوقوف صفاً واحداً في وجه مؤامرة التجزئة والتقسيم الطائفي وزرع الفتن والفوضى والدمار في العراق وفي كل اوطاننا العربية ، والتصدي بكل قوة وصلابة للمجرمين القتلة ،الذين يرتكبون المجازر المفجعة البشعة المدانة ، وينسفون دور العبادة ، ويذبحون الاطفال والشباب والنساء والشيوخ والكهول ، وينشرون الخوف والرعب بين الناس . وهذا الامر يتطلب من الشعب العراقي وقواه السياسية والفكرية والوطنية الحية في هذه المرحلة الحرجة، التكاتف والتعاضد والتلاحم وحل الخلافات بالحوار السياسي والديمقراطي الوطني الجاد والمسؤول ، بمشاركة كل قوى اليسار والديمقراطية والحرية المناصرين والداعمين للتجربة الديمقراطية والحياة الدستورية المدنية في العراق ، ولجم كل المتربصين والمتآمرين والارهابيين والمتطرفين والظلاميين ، المنتمين والمنضويين تحت خيمة الارهاب والفكر الديني المتطرف المعادي للجماهير والحضارة والتمدن والنور والانسانية ، الذي يفجرون السيارات المفخخة ويقتلون الابرياء العزل وينسفون اماكن ودور العبادة ، ولا يريدون الخير والمستقبل للعراق وعلاوة على ذلك عزل بقايا النظام السابق ودعاة الغلواء والتعصب الطائفي البغيض . وليعش العراق حراً موحداً متلاحماً ومتماسكاً ، ولتسقط المؤامرة الاستعمارية الدنيئة ، التي تستهدف تجزئته وتفتيته الى مجموعات وطوائف وملل وعشائر ، ونهب ثرواته وموارده الطبيعية.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري