حجم النص
بينما نحن نشيع جسد هادي الربيعي كانت قصائده تشيعنا بصمت بآلاف من القوافي ونحن غارقون في بحور شعره التي تصحرت اليوم ، وفي مشينا الجنائزي المبجل كان هادي الربيعي هنا يرقد في بهدوء في جنات عقولنا ، كان ينظر إلينا بنظرة الأب الحنون الذي يحنو على صغاره ، لقد أيتمتنا أيها الحنون .
على أكتافنا حملناك ويا عتباً على جسدك الذي نخره المرض والحزن والألم ، كان نحيلا جدا حتى ضننت إن التابوت لا يحمل أي جسد .
الناعي يتقدم المشيعون وهو يجهر بأبيات شعرك ونحن نردد خلفه (( سلاماً عليك بلادي ، سلاماً على جسدٍ أثقلته الحراب وما زال يخطو وحيد الخطى وهو يعبر في نارها )) ، تناثرت كلماتك أيها المعلم التي تذكرتها في لحظات تشيعك وأنت تعلمني كيف أصوغ الحروف واجمعها في جسد القصيدة ، واليوم نصوغ لك ذرات التراب ، أي قبرٍ يحضنك اليوم وأنت مدفون في عقولنا .
في مشهدٍ للجميع والوجوه مكفهرة ضحكت على نفسي من الألم وتذكرت مطالباتي المستمرة بإقرار قانون حماية المبدع ، والمبدعون نزفهم بصمت ٍ إلى المقابر ، كانت صوتك يدوي حول أذاننا وهو يوصل صرخة الشعر إلى أناسٍ يتخفون خلف المدرعات وصبات الكونكريت .
ابتسامتك لم تغادرني رغم ألمك ومرضك ونظراتك التي ألبستني ثوب من الذكريات التي عشتها معك في إذاعة كربلاء ، سنين مضت وأنت تحلق في فضاء كياني .
(( سلاماً عليك بلادي لكم أثقلتنا الحروب بأوزارها وكم وضعت فوق قلب العراق أسرار أسفارها وكم حمل الليلُ لليل ِ رائحة الموت وهو ينام كذئب البوادي على شرفات أقمارها )) .
غادرت ولم تغادرني كلماتك ، سلاماً عليك ايها التائه في صحراء إهمالنا وتجاهلنا إلى جبل من العطاء والحب ، أوعدك أيها المعلم إني سوف انشر قانون حماية المبدع في كل مقابر الأوهام إن صدر في يوم ٍ ما ، أرجوك سامحهم لأنهم جهلة .
أقرأ ايضاً
- وداعاً لبطولة لا تشبه غيرها
- فوضى القيادة الخلّاقة لهادي العامري
- الأمام علي الهادي(عليه السلام) وألق النبوة