- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في شهر محرم الحرام / الجزء الخامس
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
ولنستكمل التحليل واخذ المناحي الأخرى في تحليل النهضة الحسينية وصواب الأمام في اخذ عيااله وذراري رسول الله إلى كربلاء والتي كانت وبحق من الأمور العظيمة التي اتخذها في مثل هذا القرار وتدلل على أنه إمام معصوم وهو مسدد من الله وبتوفيقه لتتحول مأساة واقعة الطف إلى نصر عظيم يتم تخليده على مدى التاريخ وليس النصر المادي بمراحله الآنية وهذا ماحصل عند رجوع الأمام علي زين العابدين إلى المدينة المنورة ليكلمه عبيد الله بن طلحة بن الزبير وهو راكب على ناقته ومن وراء الهودج ليقول له من الغالب للأمام روحي الفداء وكان ماشياً فأجابه بجواب عظيم ليقول له ((أذن وأقم الصلاة لترى من هو الغالب)) بمعنى أن ذكر جده نبينا الأكرم محمد(ص) هو أكبر انتصار وغالب على مدى التاريخ وهو ماصارت عليه النهضة الحسينية وهو انتصار بكل معانيه الخالدة في الدنيا والآخرة ليصحح الدين الإسلامي المحمدي الحنيف ويسير في مساره الصحيح ولنكمل المناحي وندخل في صلب الموضوع.
المنحى الرابع:
والذي يتبناه كثير من الخطباء الحسينيون في المنبر الحسيني منهم الشيخ (عبد الرضا معاش) (والشيخ جعفر الإبراهيمي) وهو أن الحسين عندما خرج مع أهل بيته فإنما كانت رسالة سلام للكل في أنه كان ينشد الإصلاح في أمة جده ولا يريد إراقة الدماء كأي طالب للحكم كما يزعمون بعض المفكرين بدليل أنه طلع بهذا الكم الهائل من عياله ونسائه ومن ذراري رسول الله التي يجب أن تكون لهم رادع للمقابل في عدم الحرب والقتل وحقن الدماء والتي كان ينشدها سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين(ع)وأنه جاء لطلب الإصلاح في أمة جده من قبل حاكم قد عطل حدود الله وسار بالدين إلى الجاهلية الأولى فلذلك يقتضي منه أقامة الحجة عليهم وأنه يجب أن تكون هناك حرمة لهذه العيال والحرم من بيت أهل بيت النبوة ولكن يزيد المجرم وأعوانه من أزلامه لم يراعوا هذه الحرمة لا بعرف الإسلام ولا بعرف العرب.
من هنا أن كل ما يقوله كل كتابهم ومفكريهم الأنعام هو محض افتراء وتشويه وتزوير للحقائق والتي لا يستطيعون حجبها لأن واضحة كعين الشمس وهذه الكاتبة الإنكليزية القديرة فريا ستارك تقول :
إن "كانت قد كتبت فصلاً صغيراً عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم (صور بغدادية) صفحة (145- 150) طبعة كيلد يوكس1947م، وقد يسمى كتابها (مخططات بغداد)، وتبدأ هذا الفصل بقولها: إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها.. وتأتي المس فريا ستارك على ذكر واقعة الطف ومصيبة أهل البيت وإحاطة الأعداء حول الإمام الحسين (ع) ومنعهم إياه عن موارد الماء فتقول:
على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه.. بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه. وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس في يومنا هذا كما كانت قبل (1257) سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.."
وما منع الماء عن العيال عن النساء والأطفال إلا دليل على إصرارهم على الغدر والحقد على أهل بيت النبوة الذين هم معدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة والذين هم بهم الله يفتح ويستفتح فلهذا كان هذا المنحى الذي يتبناه الكثير من المفكرين من الشيعة وعلماؤنا وأن يزيد اللعين واعوانه هم من خرجوا عن دين محمد(ص) وأنهم طلاب حكم والذين كان الهدف استئصال ذرية نبينا الأكرم وهذا ما قاله عمر بن سعد (لعنه الله) في واقعة الطف حيث قال (أحرقوا بيوت الظالمين ولاتبقوا لهم باقية) وهو تأكيد لما ذهبنا إليه في هذا المنحى.
المنحى الخامس:
وهذا الرأي يتبناه أغلب علماء الشيعة من أمثال الشيخ المفيد في الإرشاد واالطوسي (رض) وعميد المنبر الحسيني الشيخ د.أحمد الوائلي في خطبه المتعددة حول ثورة الحسين والقريب إلى مفهوم أغلب العموم الشيعي وهو أن سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين (ع)باعتبار أمام زمانه وحجة الله على خلقه فهو لديه تكليف شرعي وخروجه بهذا الكم الهائل من عياله ونسائه والتي تتحدث بعض الروايات كان(83) فهو أمام ويعرف التكليف الشرعي عندما أخذ هذا العدد الكبير من آل بيته وهو في تقديري المتواضع مصداقاً لقوله أخته الحوراء زينب(ع) عندما يوصي بالعيال وبابنه زين العابدين(ع) فيقول لها روحي لها الفداء((تأسي بالله أخيه،شاء الله أي يراني مقتولاً وشاء الله أن يراكن سبايا))فهذا الحديث لسيد الشهداء هو حديث لأمام معصوم أُخبر به من قبل جده وأبيه وأمه(صلوات الله عليهم أجمعين) وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لكي يهب هذه المكانة السامية والعظيمة وهو ماكتبته سابقاً في قول رسول الله(ص) ((أن لك مكانة عند الله لن تنالها إلا بالشهادة))فإذن عندما يقوم الحسين(ع) بهذا التكليف الشرعي فهو أمر وبلاء من الله وإلا أن قام بهذا الأمر من الفراغ أي عبث فهذا يفسر أن الله يقوم بأمر عبثي(أستغفر الله) وهذا مستحيل وحاشا لله من العبث في أوامره.
ونأتي إلى مسألة مهمة وهي أن الأمام الحسين (ع) أمام وهذا مذكور في حديث شريف عن النبي(ص)وموجود في كل كتب العامة والخاصة وفي البخاري والصحاح الستة وهو قول نبينا الأكرم (ص) ((الحسن والحسين إمامان أن قاما وأن قعدا((وهو قول عن نبي لا ينطق عن الهوى إن هوى وحيٌ يوح والأمام معصوم من الخطأ وفي القرآن الكريم يقول في محكم كتابه
((يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)).(1)
((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ))(2)
((َنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)).(3)
من هنا فإن إمامة شيء منزل من الرب وليس شيء وضعي وأنت الذي يختاره الله للإمامة لا يقوم بأمور عبثية لأن هذا يعني أن الله يقوم بأمور عبث(معاذ الله)وهذا يعتبر من المستحيلات لأن الكمال لله وحده وتعالى فأئمتنا هم منزلون من جل وعلا وباختيار من الله سبحانه وتعالى وإمامتهم مفروضة من الله على عباده وهذا يستوجب العصمة للأئمة وطاعتهم والالتزام بهم لأنهم هم لديهم مواريث الأنبياء وعلم الساعة وعلم الأولين والآخرين وماالحديث الشريف لنبينا الأكرم محمد(ص)المنقول الصحابي جابر الأنصاري عن الصحيفة الخضراء في تعداد الأئمة الأثني عشر إلا خير دليل على ذلك.
ولعلّ الصواب في هذه المسألة إضافة إلى ما تفضّل به العلامة المجلسي(قدس سره)والشيخ التستري(قدس سره) هو: أنّ الإمام(عليه السلام) أراد أن (ينجو) من أن يُقتل في المدينة أو
في مكّة خاصة، قتلةً يُقضى بها على ثورته في مهدها، وتهتك بها حرمة البيت:
«ياأخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت.»(4)، حيث يتمكّن الأمويون في كلّ ذلك أن يدّعوا أنهم بريئون مما جرى على الإمام(عليه السلام) سواء في المدينة أو في مكّة أو في الطريق، فيحافظوا بذلك على الإطار الديني لحكمهم، أو أن تزداد المصيبة سوءً حين يطالبون هم بدم الإمام(عليه السلام)، فيقتلون من أمروه هم بقتله ! أو يتّهمون بريئاً ليقتلوه! فيخدعون الناس بادعائهم أنهم أصحاب دمه الآخذون بثأره، فيزداد الناس انخداعاً بهم ومحبّة لهم وتصديقاً بما يستظهرون من التدين والإلتزام، فتكون المصيبة على الإسلام والأمة الإسلامية أدهى وأمرّ !!... فحيث إن لم يبايع يقتل، فقد سعى(عليه السلام) ألاّ يقتل في ظروف زمانية ومكانية وبكيفية يختارها ويخطط لها ويعدّها العدوّ، وسعى(عليه السلام)بمنطق الشهيد الفاتح أن يتحقّق مصرعه الذي لابدّ منه على أرض يختارها هو، ولا يستطيع العدوّ فيها أن يعتّم على مصرعه، فتختنق الأهداف المرجوّة من وراء هذا المصرع الذي سيهزّ الأعماق في وجدان الأمة ويحرّكها بالإتجاه الذي أراده الحسين(عليه السلام)، كما سعى(عليه السلام) أن تجري وقائع المأساة في وضح النهار لا في ظلمة الليل ليرى جريان وقائعها أكبر عدد من الشهود، فلا يتمكّن العدوّ من أن يعتّم على هذه الوقائع الفجيعة ويغطّي عليها، ولعل هذا هو الهدف المنشود من وراء العامل الإعلامي والتبليغي في طلب الإمام(عليه السلام) عصر تاسوعاء أن يمهلوه إلى صبيحة عاشوراء !»(5). فتأمّل !
ولنأخذ هذه الخطبة لسيدي ومولاي ابي عبد الله الحسين(ع) ومع معاوية وفي موسم الحج لتؤكد ماذهبنا إاليه في المنحى الخامس وس :
مفاخراته و مشاجراته التي جرت له مع معاوية و أصحابه عن موسى بن عقبة أنه قال
لقد قيل لمعاوية إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين ع فلو قد أمرته يصعد المنبر و يخطب فإن فيه حصرا أو في لسانه كلالة فقال : لهم معاوية قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتى عظم في أعين الناس و فضحنا فلم يزالوا به حتى قال للحسين يا أبا عبد الله : لو صعدت المنبر فخطبت فصعد الحسين (ع) المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (ص) فسمع رجلا يقول من هذا الذي يخطب
فقال الحسين (ع) : نحن حزب الله الغالبون و عترة رسول الله ص الأقربون و أهل بيته الطيبون و أحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله( ص)ثاني كتاب الله تبارك و تعالى الذي فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و المعول علينا في تفسيره لا يبطئنا تأويله بل نتبع حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة أن كانت بطاعة الله و رسوله مقرونة قال الله عز و جل ((َأطِيعُوا الّلهَ وَ َأطِيعُوا الرَّسُو َل وَ ُأولِي الَْأمْرِ مِنْ ُ كمْ َفإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْء َفرُدُّوهُ إَِلى الّلهِ وَ الرَّسُولِ و قال وَ َلوْ رَدُّوهُ إَِلى الرَّسُولِ وَ إِلى ُأولِي الَْأمْرِ مِنْهُمْ
َلعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِ ُ طونَهُ مِنْهُمْ وَ َلوْ لا َفضْلُ الّلهِ عََليْ ُ كمْ وَ رَحْمَتُهُ َلاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطا َ ن إِّلا َقلِيلًا)) و أحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس و إني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه و قال إني بريء منكم فتلقون للسيوف ضربا و للرماح وردا و للعمد حطما للعمد حطما و للسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس إيماﻧﻬا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيماﻧﻬا خيرا قال معاوية حسبك يا أبا عبد الله قد بلغت و عن محمد بن السائب أنه قال قال مروان بن
الحكم يوما للحسين بن علي ع لو لا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا فوثب الحسين ع و كان ع شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره و لوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه.(6) أنتهى
ولهذا كان سيدي ومولاي أبي الأحرار قد قدم البطولة والاستشهاد والمبادئ والأيمان والإباء واليقين والشموخ والقيم بأعلى قيمها السامية وقدم سيفه ونحره ودمه الشريف الزكي هو وأخيه وأهل بيته وأصحابه المنتجبين في سبيل أصلاح أمة جده وتعديل الاعوجاج الذي طرأ على الأمة ولتكون ملحمة الطف ملحمة خالدة على مر التاريخ وتعلم كل الأحرار والثائرين ما هو معنى الانتصار وما هو معنى التضحية والطريق لكي يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والثورة الحسينية هي ليست خاصة بمذهب وطائفة معينة بل هو ثورة إنسانية لكل العالم وتعتبر كربلاء والتي أضحت كعبة الثوار وقبلة الأحرار ومنها يتعلم كل الثائرين مبادئ انتصار الحق على الباطل وانتصار المظلوم على الظالم لتبقى ألق الثورة الحسينية نبراس ينير الدرب لكل المناضلين ويستمدون الدروس تلو الدروس جيلاً بعد أخر .
وفي الختام فأن ألق الثورة الحسينية باقي وعلى مدى التاريخ مهما حاول كل الكتاب والقصيري النظرة من أشباه المثقفين التعاطي مع واقعة الطف لأن هؤلاء الأقزام لايستطيعون حتى النظر إلى جبل الشموخ والكبرياء لمبادئ والقيم الخالدة الثورة الحسينية.
ولكي نستكمل هذا الموضوع الثري والغني بكل معانية سوف نتابع ذلك في جزء آخر
أن شاءا لله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الإسراء آية 71.
2 ـ [السجدة : 24].
3 ـ [القصص : 5]
4 ـ اللهوف: 27
5 ـ الأيّام المكيّة من عمر النهضة الحسينية ص 90
http://www.al-shia.org/html/ara/books/lib-tarikh/rakb-hosain/h01.htm#link3
6 ـ كتاب الأحتجاج / الجزء الثاني للشيخ الطبرسي. باب الحسين وأحتجاجه على معاوية.