حجم النص
بقلم :هادي جلو مرعي
فقط في الشتاء أشعر بالذات تتحرر من عقدة الشعور بالضياع ودوام إنتظار شئ إعرف إنه سيإتي لكنه لايفعل ذلك إلا بعناء وقهر ورغبة بحلم مني ومن سواي من الذين عذبهم الصيف وماأكثرهم في وطني،وهم يحلمون بالشتاء لاكما يحلم الناس في باقي البلدان بالصيف الذي يتحول الى كرنفال لأشهر تدوم ورحلات الى الشواطئ والربوع النضرة والجبال والسواحل المفعمة بالحركة والحياة والنسائم الرائقة واللعب واللهو والإستمتاع أكثر بالحياة والأمل في الغد.وهم يدعون الله أن يأتي الصيف بأسرع وقت لكي يستمتعوا ويعيشوا لحظات ياملون أنها تتكرر.هم لايحلمون مثلنا في بلاد مايسمى الرافدين.
.في العراق يحلم الناس بصورة مختلفة أو بالمقلوب فهم لايرون في أحلامهم التي قد لاتتحقق لأشهر طويلة سوى غيمات بيض ونسائم تجوب الأنحاء وأمطار تتساقط وتملأ الغدران والمنخفضات وصعيقا في الصباحات الباردة.وكالعادة فهي أحلام وحين يصحون يجدون أن الأفق محمر بالغراب والبيوت موشحة بالتراب ،ولاشتاء ولامطر ولاربيع ولاهم يحزنون،فهم على النقيض من بقية العالم ينتظرون متى يأتي الشتاء ويولي الصيف البغيض بحره وترابه وسمومه وقرفه لعل الشتاء أن يعطيهم أملا جديدا في حياة مختلفة وهم كما يقول الحكماء منهم يعيشون في بلد هو ( دولة في الشتاء فقط ) ولاغير الشتاء.
في الصيف يلهوا الناس في بقية العالم ويلعبون ويمرحون ويخططون لغدهم ويستلقون على الرمال ويغنون بفرح، بينما يحلم العراقيون بشتاء قادم ويقضون الصيف مختلفا فهاهو الحر يقتل كل رغباتهم ،الكهراء هي الأخرى يغيظها الحر فتهرب منزوية في أماكن مظلمة أو في حشاشة المحطات التي تلدها في بعض السويعات أو تتلوى في أسلاك متهرئة تستمع لشكاوى الناس ولصراخ الأطفال في الليالي الحارة أو في الظهيرات الفجيعة حين تنقطع عنهم وينظرون في وجوه أمهاتهم الحائرات بلاحول ولاقوة بينما صاحب المولدة الأهلية يتمختر ويتمظهر بالقوة والأنفة منتظرا آخر الشهر ليجبي المال من الأسر التي تعيش في ظل رحمته.
في تشرين أول يبدأ الحلم العراقي يتحقق ،الرياح شرقية خفيفة الى معتدلة السرعة تنشط أحيانا وتنبؤ بسقوط مطر خلال اليومين التاليين،ثم يعود الطقس ليستقر برياح غربية باردة ومنعشة ( هل أنا في حلم أم في علم ياربي)؟.
لأشهر معدودات يستمر الشتاء وينعش حركة الحياة فكأنه صيف في بعض من أوربا أو البلاد المجاورة كتركيا وإيران وسوريا والأردن،وصرنا نخاف أن يغادرنا،وفي حين ينتظر الأكراد والفرس والترك مجئ الربيع نحزن نحن،وهم يحتلفون ويبتهجون ويوقدون النيران أعالي الجبال،صرنا لانشاركهم الفرح لأنهم يرون دخول الحياة ونرى دخول الموت والنهاية السيئة التي سترينا أياما وساعات من القلق والإنتظار والصبر في موسم العذاب والمعاناة حتى نهاية أيلول،نهاية تفتح بابا على الخريف المبهج بإنتظار ( مطرة) تهدئ الخواطر وتنعش النفوس وتغير الأمزجة التي تعبت طيلة أيام الصيف وأنهكها العناء والغيظ.
إنه الشتاء ياناس ،عيشوه قبل مجئ الصيف.
أقرأ ايضاً
- الانسداد ليس هنا.. إنه في مكان آخر
- هل هناك امل لإنهاء دور الحكام الفاسدين ... هل الانتخابات هي الحل ؟؟؟؟
- إنها سلطة الإمارة الإسلاموية يا تشومسكي !