حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
في حلول شهر محرم تضع كل الأقلام جانباً ويبقى قلماً واحداً هو القلم الذي يتناول سيرة أبي الشهداء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(ع)تلك المدرسة العظيمة التي تعطي للأجيال جيلاً بعد آخر كل العبر والدروس والمعاني الخالدة لذاك السفر الخالد الذي سطره أبي الأحرار وأخيه وأصحابه المنتجبين وبدمائهم الزكية ليكون خالداً على مدى التاريخ ولينهل كل مسلم شريف بل وكل أنساني من مدرسة الحسين والتي تحمل كل معاني الإباء والشموخ والتضحية وانتصار الحق وبالدم على الظلم والسيف وليشهد التاريخ على عظم تلك الواقعة واقعة الطف التي بها بقى الدين محمدياً حافظ على طهارته ودرئه عن كل الأدران والشوائب التي حاول بنو أمية أن يسيروه حسب ميولهم وأهوائهم الضالة لكي يرجعوا بأمتنا إلى دين الجاهلية الأولى وكان صحيحاً ما قيل أن ديننا الإسلامي وجوده محمدي وبقاؤه حسيني وليصح حديث نبينا الأكرم محمد(ص)الشريف ((حسين مني وأنا من الحسين أحب الله من أحب حسيناه)) فبهذا الدم الشريف الزكي بقى تعاليم الإسلام وهاجة وساطعة رغم كل المحاولات لإخماد هذه الشعلة العظيمة وبقي ذكر الحسين روحي له الفداء ومبادئه محفورة في نفوس كل الشرفاء من الصغير إلى الكبير رجالاً ونساء بل يزداد بالرغم من كل المحاولات التي يتفنن بها النواصب والوهابيين والقاعدة من قتل وذبح وبأبشع الأساليب دموية مع الغدر والحقد على الموالين ولكن بقى حب الحسين ولم ينفع كل المحاولات بل أخذت الحشود المليونية تزداد من سنة إلى أخرى وتتوسع الشعائر الحسينية باطراد بل أصبحت تنتشر في مختلف أنحاء العالم وبدأ العالم يعرف ماهية ثورة الحسين(ع) ومبادئها الخالدة لأنها تمثل الدين الإسلامي الصحيح وتعبر أحسن تعبير عن مبادئ ديننا الحنيف لا مبادئ السلفية التي شوهت ديننا ووضعته في أتون العنف والقتل والإرهاب وأصبح وبفضل جهودهم والتي تلتقي مع الصهاينة يسير الدين الإسلامي في خط متواز مع الإرهاب وكل مسلم يعتبر إرهابي.
ولكن الثورة الحسينية وما حملته من أفكار وقيم عظيمة وخالدة بدأت بتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة التي حاول زرعها هؤلاء النفر الضال والممسوخ من ديننا والبريء منهم أيما براءة وأخذ المد الشيعي والتشيع يسود في أغلب مجتمعاتنا العربية والإسلامية وبدأ يقض عروش وكراسي تلك الدول واشتدت الهجمة على مذهبنا بضراوة وقسوة ليس فيها أي رحمة لأن ثورة الحسين هي ثورة انتصر فيها المظلوم على الظالم لتصبح هذه الثورة معناه نهاية كل دكتاتور وحاكم ظالم ومن هنا كاتنت الحرب وبلا هوادة على هذه الثورة ولكل الموالين من المذهب والذين تبنوا هذه الثورة وحملوا دمائهم على أكفهم وبقى الإصرار الشيعي على الثبات على المذهب من قبل كل الموالين مما أدى إلى لفت النظر من قبل كل الشرفاء واستنتجوا أن وراء هذا الإصرار والثبات حتماً يوجد وراءه فكر نير ومبادئ خيرة وإنسانية تبشر بخلاص البشرية من كل أنواع الظلم والكبت والقهر وارتقاء الإنسان إلى مصاف الإنسانية الصحيحة ونبذ كل مظاهر الفساد والانحطاط الخلقي والتي تسير بالإنسان بها إلى مصاف الحيوانات فيتم بهذه المبادئ المشرقة والتي حملها أبي الشهداء في سفره الخالد مع أخيه وأهل بيته والصفوة المختارة من أصحابه نشرها إلى جميع العالم وتتخلص البشرية من كل رواسب الجاهلية الأولى ومن الأدران ويصبح مجتمعنا مجتمع الدين المحمدي الذي نادى به جده نبينا محمد(ص)ووالده أمير المؤمنين(ع) روحي لهما الفداء لتحقيق مجتمع الخير والعدالة والفضيلة بكل معانيها السامية والتي يعجز عنها قلمي المتواضع في التعبير عن هذه القيم العظيمة.
وبعد هذه المقدمة فلندخل إلى مدرسة محرم أو عاشوراء كما يتم تسميتها فمن المعلوم أن شهر محرم سمي بهذا الاسم لأنه يتم فيه تحريم القتل وهي من الشهور الحرام وفي الجاهلية الأولى كانت كذلك وجاء ديننا الإسلامي فثبت هذه الأشهر الحرم وهي ثلاثة متصلة لحج الحجيج إلى بيت الله الحرام وهي ذي القعدة وذي الحجة ومحرم والرابع منفصل عن هذه الأشهر وهو شهر رجب وتثبيتاً لذلك أنزل الله سبحانه وتعالى آية تثبت هذه القضية في محكم كتابه
((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))سورة التوبة آية 36.
ومن هنا جاء تحريم القتال في هذا الشهر المحرم والغزو لأن العرب في الجاهلية كانت عندهم الغزو والحرب بين القبائل والسلب والنهب عادة منتشرة وسائدة فجاء الإسلام لينظف الناس من أمراض الجاهلية الأولى وليؤمن على حجاج بيت الله الحرام في الإسلام تنقلهم من مواطنهم إلى مكة وبالعكس والذي كانت يتطلب ذلك عدة شهور لبدائية التنقل في ذلك الوقت وكانت على ظهور الإبل والدواب.
وأنتشر الإسلام وساد الإسلام ربوع كثير من إرجاء المعمورة ودخل الإسلام الطلقاء من مشركي قريش وعلى رأسهم أبو سفيان وهو رأس الشرك والنفاق والذي بقى هو وبنو أمية وكثير من المشركين على شركهم رغم دخولهم الدين بدين ودعوة النبي(ص) وسيف أمير المؤمنين(ع)وجاءت وفاة الرسول لكي تكشف كل الأقنعة ولكي يتقصمها أبو بكر وهو يعلم هو ومن معه من هو أحق بها لكي يتم إزاحة سيد الوصيين أبا الحسن روحي له الفداء وسكت أمير المؤمنين حفاظاً على وحدة الإسلام والتي أوصى بها أخيه وابن عمه الرسول الأكرم محمد(ص) وتتابعت المصائب بكسر ضلع بضعة الرسول(ص)وسلب حقها وميراثها في فدك وحجب الخلافة عن وصي رسول رب العالمين وتم التلاعب بالدين والخلافة أيما تلاعب والتي وهي معروفة لدى الجميع إلى إن صار الدين الإسلامي دين ملوك والذي كان سيدها ومخططها وقائدها معاوية (لعنة الله عليه) وجلس على كرسي الحكم بسياسة القتل والذبح والترغيب والتهديد وكان يسم أعداؤه بالعسل ويقول (إن لله جنوداً من عسل)ومن بين من دس لهم السم سيدي ومولاي الحسن(ع)ومن قبل زوجته جعدة بنت الأشعث ونصب من بعده أبنه الفاجر يزيد بأخذ البيعة بالتهديد وتحت السلاح وهو فاجر شارب للخمر لاعبٌ للنرد والذي يأبى الحسين(ع) أن يبايع مثله ونعرف مقولته المشهورة ((أن يزيد فاجر شارب للخمر لاعباً للنرد ومثلي لا يبايع مثله))وهذا صحيح باعتبار أنه أمام زمانه وهو حجة الله على الأرض فكيف يبايع مثله وكيف يقف أمام ربه وأمام جده وأبيه عند القيام بمثل هذا العمل والذي كان له الشرف في تصحيح مسار دين جده والقيام بعملية الإصلاح وهنا بدأت مسيرة الإصلاح يجب أن تنحى منحى مغاير لكل التفسيرات التي يحللها بعض الكتاب القصيري النظرة في تحليل واقعة الطف وهنا أخذ روحي له الفداء بالسير في طريق الشهادة وسلك طريق المنايا وما بشره به جده أبيه بالشهادة في أرض كربلاء والمنزلة التي ينالها باستشهاده
"وحديث رسولنا الأكرم(ص) يقول فيه ((أن أبني هذا يقتل بأرض من العراق فمن أدركه فلينصره)).
وهذا ما قاله الأمام الحسين روحي له الفداء لأبنه علي الأكبر(ع) وهم في الطريق إلى العراق عندما (ع) ((أن الركب يسير والمنايا تسير معنا)) فما كان سؤال أبنه((أولسنا على حق؟)) فقال روحي له الفداء((نعم والله ))فكان جواب الأبن البار لأبنه((إذن نمضي ولا نبالي)) وهذا هو منطق الأبطال من أولاد أمير المؤمنين داحي باب خيبر وقاتل الكفرة من الأبطال."
وهذا هو شأن الثائرين في سبيل تثبيت الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها يجب أن تخط بالدم ولتكون شاهد على تسطير وخط هذه الأفكار وكيف بأمامنا روحي له الفداء وهو أبو الأحرار وسيد الثائرين وأمامهم الذين يتعلمون منه الثائرين مبادئهم وعلى مدى التاريخ وهو يطلب الإصلاح في أمة جده التي بدأت تنحى منحى الجاهلية الأولى والتي أراد أن يسيروها بنو أمية ومن قبل كل أئمة الكفر والشرك والطاغوت وهناك كان لا بد من وجود أمام وقائد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقم حدود الله التي عطلها يزيد وأبيه وجده وبنو أمية (لعنة الله عليهم أجمعين) .
فسار للشهادة بنفس مقدامة كرار غير فرار كأبيه وبكل إباء وشموخ لا يهادن مع الباطل وليسطر بأحرف من نور تلك الملاحم الخالدة في سفر واقعة الطف ضد كل الأقزام الذين كل معاني الحقد والظلم والغدر والكره لآل بيت النبوة.
وسوف نمضي في حلقاتنا استخلاص الدروس والعبر في الثورة الحسينية وعن حرمة شهر محرم الحرام والذي تم سفك دم خير خلق الله بعد جده وأمه وأبيه وأخيه وخامس أصحاب الكساء وبخسة وأجرام ليس له مثيل أن كان لنا في العمر بقية أنشاء الله.
أقرأ ايضاً
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول