حجم النص
بقلم :صالح الطائي
منذ أمد ليس بالقصير آليت على نفسي أن أمتنع عن كتابة المقالات السياسية بعد الإحباط الذي أصابني وأنا أرى كل ما نكتبه يذهب هباء ولا يجد أذنا حتى ولو كانت صماء تتصنع أنها تسمعه، واكتفيت بالكتابة فقط ساعة يشدني خبر ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام أو السكوت عنه لأنه مر كالسم الزؤام.
ولذا خالفت القاعدة لأكتب اليوم عن مبلغ الخمسمائة دينار يوميا التي خصصتها الحكومة العراقية الموقرة لـ 30000325 مواطن عراقي وبواقع خمسة عشر ألف دينا شهريا لكل مواطن من شعب يعيش نصفه أو أكثر تحت خط الفقر، ونصف النصف الثاني فقراء، ونصف النصف لا يملكون إلا بعض المفردات الأساسية من سبل العيش والحياة، ونصف النصف يأكلون من مواريث آبائهم التي تركوها لهم، ونصف النصف باعوا دورهم ومساكنهم، ونصف النصف الأخير من أقرباء المسؤولين ورجال الدولة المهمين والسادة النواب المخضرمين ورؤساء القوائم وقادة الأحزاب ومجموعات الأصدقاء والأحباب.
وبعد الجمع والطرح والضرب والقسمة والتجذير والتدوير ورسم الخطوط البيانية بمساعدة اللوغاريتمات تبين لي أن الأسرة العراقية المؤلفة من خمسة أشخاص سوف تقبض من الحكومة الموقرة مبلغ خمسة وسبعين ألف دينار شهريا وهو مبلغ يساوي بالعملة الصعبة واحد وستين دولارا أمريكيا فقط لتكفيها عيش شهر كامل!
ثم لما عرجت على آخر قرار أصدره المجلس العتيد ذو الرأي السديد والدفاع عن المصالح بوعي شديد وهو القرار القاضي بصرف مبلغ سبعمائة وخمسين ألف دينار عراقي لكل واحد من النواب البالغ عدد (325) نائبا كنثرية قرطاسية لشراء خمسة أوراق يشخبط عليها النائب عندما يضجر من حديث رفاقه الباقين، وجريدة يقتل بها وقت فراغه اللعين، وأعواد لتنظيف الآذان من بواقي حديث اللجان وتنظيف الأسنان مما تبقى بينها من لحم الضأن.
بعد تلك الحسبتين أدركت كم هو تافه هذا الإنسان العراقي المسكين الذي لا زال يفخر بآبائه الذين تركوا له آثار بابل والأسد والثور المجنح والزقورة وهو يرى الإذلال كما لم يره في زمن الطغاة والمتكبرين والمتجبرين والشيطانين الأكبر والأصغر، ألا طاح حظ هذا الزمن الأغبر
أقرأ ايضاً
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- المصالحة بين حظر النازية وحظر حزب البعث في العراق
- ملاحظات نقدية على الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031