- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من هنا يبدا الاصلاح في العراق
حجم النص
لازلنا، نحن العراقيون، نقف امام فرصة تاريخية مفصلية لبناء نظام سياسي ديمقراطي يعتمد التعددية والشراكة الحقيقيتين، نامي ومستقر، يتفيأ بظله المواطن بالحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والسعادة بعيدا عن كل انواع التمييز والعنف والارهاب، يتمتع الجميع بخيراته الواسعة بلا استئثار من قبل حفنة من اللصوص، الحزب الحاكم، مثلا، او القائد الاوحد، او زبانية الزعيم، او ما اشبه.
فالعراق هو اول البلدان العربية حصل على مثل هذه الفرصة في العصر الراهن، لينطلق بعده الربيع العربي في بقية البلاد العربية بالتتابع، فلماذا فشلنا، لحد الان، في بناء بلدنا؟ وما هي المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك؟ وكيف السبيل لتحقيق الاصلاح المرجو لازالة هذه العقبات؟ ومن اين يبدا هذا الاصلاح؟.
لقد استبشر العراقيون خيرا بوصول فصائل الحركة الاسلامية (الشيعية) تحديدا الى السلطة بعد سقوط الطاغية الذليل صدام حسين، وذلك لعدة اسباب، لعل من ابرزها:
اولا: انها حركات مجاهدة ومناضلة بكل معنى الكلمة، فهي ضحايا النظام البائد بامتياز، لم تضع يدها يوما بيد الديكتاتورية كما فعل الشيوعيون مثلا او الكرد او جل الحركات القومية، ما يؤشر، بالنسبة الى العراقيين، الى ان هذه الفصائل هي معارضة للاستبداد والديكتاتورية مبدئيا وليس لمصالح سياسية مثلا او ما اشبه، اي انها معارضة مبدئية وليست معارضة مصلحية.
ثانيا: انها حركات (دينية) تقول بانها تتبع نهج اهل البيت عليهم السلام، هذا النهج الذي رسم للبشرية خطا مستقيما من النزاهة وبذل الجهد من اجل انصاف الانسان بغض النظر عن دينه وخلفياته الفكرية او السياسية او الاثنية او ما اشبه، وكذلك من اجل الاصلاح واقامة العدل حتى اذا تحقق ذلك على حساب دماء الائمة الاطهار واهل بيتهم، كما حصل ذلك لسيد الشهداء الامام الحسين بن علي السبط عليهما السلام في كربلاء في عاشوراء عام 61 للهجرة، ولذلك فقد انتظر العراقيون منهم ان يقيموا العدل او بعضه كونهم ينتمون الى مدرسة هي من اطهر المدارس والمناهج على مر التاريخ.
ثالثا: كونها حركات ولدت جميعها من رحم المرجعية الدينية، فضلا عن انها اعلنت، بعد سقوط الصنم، بانها تقف خلف المرجعية الدينية مباشرة فلا تتقدم عليها ولا تتاخر عنها، ولذلك بادرت المرجعية الى صناعتهم ورعايتهم والدفاع عنهم فمكنتهم من السلطة ورفعتهم الى سدة الحكم بجناحي الحكمة والوطنية حصرا، ليحققوا اهداف المجتمع في الحرية والعدل والحياة الكريمة.
رابعا: ولكل ذلك منحهم الناخب العراقي ثقته وكله امل في ان يتحقق الهدف على ايديهم، ولذلك فانهم، وربما لاول مرة في تاريخ العراق الحديث، تسنموا سدة الحكم بارادة العراقيين في انتخابات حرة ونزيهة، فهم لم يصلوا الى السلطة بسرقة مسلحة، انقلاب عسكري، مثلا او بالتآمر والقتل والسحل وغير ذلك.
ان قوة السلطة اليوم في بغداد مستمدة من قوة الشارع العراقي الذي منحهم ثقتهم بارادته الحرة غير مكره.
تاسيسا على كل ذلك، فان هذه الحركات اجتمعت عندها كل اسباب القوة والنجاح، فلماذا فشلت لحد الان في تحقيق اهداف المجتمع العراقي الذي دفع الثمن غاليا لحد الان من اجل يوم يعيش فيه بحرية وكرامة؟.
المتتبع لسير الاحداث خلال السنوات التسع المنصرمة التي اعقبت التغيير ولحد الان، يلحظ ما يلي:
الف: لقد بدات هذه الحركات تتقمص شخصية الطاغية الذليل بشكل او بآخر، وفي بعض الاحيان زادوا عليه، فالفساد المالي والاداري الذي انتشر في جل مؤسسات الدولة، بات يهدد البنيان من القواعد، فبينما كان العراقيون ينتظرون منهم ان يحفظوا المال العام كما يحفظون دماءهم واعراضهم، وان يقدموا الصالح العام على مصالحهم الشخصية والحزبية والمناطقية الضيقة، اذا بهم يتورطون بالفساد ويشجعون عليه ويرعونه ويشرعنونه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.
باء: اما المرجعية الدينية التي رعتهم وحمتهم ودافعت عنهم، فانقلبوا عليها ولم يعودوا يصغون الى توجيهاتها وارشاداتها ابدا، على الرغم من انها اثبتت غير مرة بانها تتمتع بوطنية عالية جدا لم يلمس معشارها العراقيون عند غيرهم، ولشدة عصيانهم لها افسدوا عليها رايها، كما يقول امير المؤمنين عليه السلام {لقد افسدتم علي رايي بالعصيان} الامر الذي دفع بالمرجعية الدينية الى ان تقاطعهم فلم تعد تفتح ابوابها لهم لزيارتها، ولماذا تستقبلهم اذا قرروا سلفا عدم الاصغاء اليها او عصيان اوامرها؟ فضلا عن انها قررت ايقاف توظيفهم زياراتهم لها عند حدها، فالى متى يظل هؤلاء يوظفون زياراتهم للمرجعية الدينية وتسويقها على انها علامات لتاييدهم ودعمها لهم؟.
ان هذه الحركات فقدت تاييد المرجعية لهم، كما انها بدات تفقد دعم وتاييد الشارع لهم كذلك، فما الذي بقي لها، يا ترى، لتستند عليه في انجاز مشروعها الذي تصفه بالحضاري؟.
انها اليوم كالعارية بعد ان سقطت عنها كل اوراق التوت، فالخلافات والنزاعات التي ذهبت بريحها (قوتها وارادتها) والازمات التي تعصف بها مع شركائها الاخرين في العملية السياسية، والدين الذي لم يبق منه الا اسمه ورسمه، حتى بات هو التجارة الرابحة التي يعتاشون عليها، ان كل ذلك جعلها في مهب الريح، ولذلك لا بد من عملية اصلاح جذرية للوضع الراهن، ولكون هؤلاء هم الازمة وهم المشكلة، لذلك فمن المستحيل ان يتمكن هؤلاء من انجاز الاصلاح لان (فاقد الشئ لا يعطيه) على حد قول الحكمة المشهورة.
اذن، نحن بحاجة الى ادوات جديدة لانجاز الاصلاح، ولا يمكن ان نجد مثل هذه الادوات الا بخطوتين مهمتين:
الاولى: تغيير قانون الانتخابات لنفسح المجال امام الطاقات والكفاءات الخلاقة من الدماء الجديدة التي يزخر بها المجتمع العراقي، لتتقدم الصفوف وتحجز مكانها المناسب على قاعدة (الرجل المناسب في المكان المناسب).
والتغيير يجب ان يعتمد:
الف: اعتماد قاعدة (صوت واحد لمواطن واحد) فلا تناقل للاصوات ولا قواسم انتخابية ولا هم يحزنون.
باء: تقسيم العراق الى دوائر انتخابية بعدد مقاعد البرلمان، طبعا باستثناء حصة الاقليات الدينية والاثنية (الكوتة) من اجل ان لا يستغل المسؤول منصبه لشراء الاصوات وحصد الارقام الكبيرة، ثم توزيعها على محازبيه.
لا نريد برلمانا زعيم الكتلة فيه هو الامر الناهي الذي يعد انفاس نواب كتلته، وانما نريد برلمانا تسيره مصالح الناخبين حصرا، فالنائب فيه يبقى على تماس مع الشارع الذي انتخبه، يصغي اليه ليعرف ماذا يريد على وجه التحديد فيبادر الى انجاز مطاليبه حتى اذا جاءت على حساب مصالح كتلته البرلمانية او حزبه الذي رشحه.
الثانية: تشريع قانون الاحزاب، لتكشف الاحزاب والكتل السياسية ذممها المالية وعلاقاتها السياسية، من اجل ان نحد من ظاهرة تسلمها للاموال الطائلة من هذه الدولة او ذلك النظام، هذه الظاهرة الخطيرة التي ابتليت بها الاحزاب العراقية منذ ان كانت في المعارضة، عندما كانت تتسلم الاموال من مختاف دول العالم، الم يقل احد زعمائها ذات مرة مفتخرا، بانه عمل وتعاون مع عشرة اجهزة مخابرات واستخبارات اقليمية ودولية يوم ان كان (زعيما في المعارضة)؟.
لا احد في هذا العالم يدفع لاحد بالمجان، فالملايين التي تتسلمها الاحزاب والكتل السياسية في العراق تقف وراءها اجندات سياسية خطيرة في اغلب الاحيان، فلا النظام القبلي الفاسد الحاكم في دول الخليج، وتحديدا في الجزيرة العربية وقطر، تدفع لسواد عيون العراقيين، ولا تركيا او ايران تدفع قربة الى الله تعالى، انهم جميعا يدفعون بثمن، فاي ثمن يقدمه الساسة يا ترى؟ انه استقلال البلاد وسيادتها ومصالح المجتمع، اليس كذلك؟.
السؤال المهم الذي يقفز الى الذهن هنا، هو:
ان تغيير قانون الانتخابات وتشريع قانون الاحزاب لا يتحقق الا تحت قبة البرلمان، فكيف سيبادر مجلس النواب الى مثل ذلك ونوابه يعرفون حق اليقين بان التغيير والتشريع يضر بمصالهم ولا يخدم اجنداتهم الخاصة باي شكل من الاشكال؟.
الجواب:
صحيح ذلك، فالنواب التابعين الى الكتل السياسية المستفيدة لا تبادر الى اي اصلاح لانها المتضرر الاول منه، ولذلك فان علينا ان نلجا الى المتضرر من استمرار الحال الفاسد الحالي على حاله، واقصد بهم العراقيين كشعب وكمجتمع، فهم المتضرر الاول والاكبر من كل الذي يجري اليوم في العراق، فالمحاصصة مثلا اضرت بالمجتمع لانها قدمت المتاخر واخرت المتقدم، والفساد المالي اضر بالمجتمع لان بسببه اثرى الفاسدون واللصوص على حساب المال العام الذي اضحى نهبا بيد المسؤولين، والفساد الاداري هو الاخر اضر بالمجتمع لانه ساعد على نشر المحسوبية والرشوة وعرقلة الحياة العامة، وكل ذلك يتضرر منه المواطن العادي اما المسؤول فيمتلك العديد من ادوات الفساد التي تساعده على انجاز مصالحه بشكل او بآخر.
اذن، فالمجتمع هو الذي يجب ان يبادر لانجاز الاصلاح المرجو، وبرايي، فان الشارع العراقي اليوم يمتلك اهم اداتين لتحقيق ما يروم:
الاداة الاولى: هي المرجعية الدينية التي لا زالت تتمتع بثقة المجتمع، ولا زال الشارع العراقي ينظر اليها على انها المعبر الحقيقي عن مصالحها وتطلعاتها، ولذلك فان على المرجعية ان تنهي حالة القطيعة للوضع السياسي الراهن، ليس من خلال اعادة فتح قنوات الاتصال مع السياسيين، ابدا، فان هؤلاء ميؤوس منهم، وانما من خلال الادلاء برايها في قضايا الشان العام للمجتمع، من خلال توجيهه والعمل على تعبئته بالاتجاه السليم الذي يحقق الاصلاح.
اما الاداة الثانية، فهي منظمات المجتمع المدني التي تقع عليها مسؤولية قيادة الشارع بالاتجاه السليم والصحيح، بعيدا عن مصالح السياسيين وفسادهم وانحرافهم عن الصالح العام.
ان بامكان هذه المنظمات ان تؤثر في مجرى الاحداث وتقود عملية الاصلاح، شريطة ان:
الف: تحتفظ بالمسافة المناسبة بينها وبين السلطة، من اجل ان لا تفقد ثقة الشارع اذا ما احس بانها مستفيدة من الوضع بشكل او بآخر.
باء: ان تحتفظ باستقلاليتها فلا تبيع او تشتري بمشاريعها، لتحافظ على اندكاكها بالشارع، خاصة الطبقة المسحوقة والمحرومة والمهمشة، ولتظل صوت من لا صوت له.
جيم: ان تخطط وتنفذ كمجموعات متجانسة ومتآزرة، فلا تنشط بشكل انفرادي، فياكلها الذئب، لان الشاردة له عادة مهما كانت قوية هذه الشاردة.
[email protected]
12 تموز 201
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي