حجم النص
بقلم :هناء مهدي
مع الاعتذار للشاعر الكبير مظفر النواب، أرى أنه كان مخطئا حين ظن أن لبيت المقدس قومية تحميه متناسيا أن شعراء وأدباء ومثقفي هذه القومية الماجنة لا يحمون غير كراسي الساسة، ولا يبجلون إلا من يجلد ظهورهم بسياط الذل.
لذا لا غرابة أن يمنح اتحاد الأدباء العرب جائزة (شاعر القدس) لشاعر النظام المباد حميد سعيد، وليس لمظفر النواب رغم أنه رشح من قبل اتحادي الأدباء والكتاب العراقي والمصري اللذين لهما ثقلهما وأهميتهما في المنجز الثقافي العربي، في حين من رشح حميد سعيد لهذه الجائزة رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الأدباء الفلسطيني اللذان لا وزن لهما في الساحة الثقافية العربية، لا غرابة أن تبرر الرابطة الأردنية ترشيح حميد سعيد لمجرد أنه "يقيم في عمان منذ احتلال العراق، وأنه يعد واحدا من رموز شعر المقاومة في العراق والوطن العربي، وعندما تتبنى الرابطة ترشيح شاعر عربي كبير للجائزة فهذا يعبر عن هويتها القومية العروبية".
فعلا لابد أن تكون هذه هي مبررات ومعايير الفوز بالجوائز العربية، مناهضة تحرر الشعوب من الأنظمة الدكتاتورية وانتصارا لحمية الجاهلية والعنصرية العرقية، وكأن النواب من قومية أخرى، وهو حقا من قومية أخرى كونه لم يسجد بين يديّ ملوك الصحراء ولا سكت على خزيهم وجبنهم، وعليه كان لزاما أن يفوز شاعرا مثل حميد سعيد، ولربما سيفوز بهذه الجائزة في دورتها المقبلة رعد بندر أو غيره من شعراء أم المعارك.
على الرغم من المكانة الكبيرة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ودوره الريادي في نظم القضية الفلسطينية في أبيات شعر كانت وما زالت غاية في الروعة والإثارة، إلا أن التأثير الأكبر والشعر الأكثر فاعلية في تأجيج المشاعر لنصرة القضية الفلسطينية كان لشاعرنا مظفر النواب، حتى أصبح عنوان قصيدته الشهيرة (القدس عروس عروبتكم) أشبه بلافتة يرفعها كل من يريد لفلسطين خلاصا من مصيرها المحتوم.
كان النواب وما زال شاعرا ثائرا لكل شعب محتل وكل إنسان مضطهد، هو إن جاز التعبير شاعر إنساني عابر للحدود، في شعره قضية تبثها قصائده بلوعة مسموعة الأسى، وبالإضافة إلى ذلك فهو رجل مقاومة حقيقي قاتل بشعره النظام المباد معلقا مصيره بحبل مشنقة تدلى طويلا قبل أن يلتف في العام 2006 حول رقبة الصنم الفاشستي الذي أصدر هذا الحكم ضد النواب.
هناك أمر لا يقل غرابة عن استبعاد النواب من الجائزة ومنحها لحميد سعيد، وهو موقف اتحاد الأدباء والكتاب العراقي، الذي أصدر بيانا متناقضا يهنئ فيه حميد سعيد بفوزه بالجائزة وفي الوقت نفسه اتهم اتحاد الأدباء العرب بأنه اعتمد معيارا سياسيا وليس نقديا!.
محزن أمر هذه الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم، فهي في تخبطها النخبوي هذا لن تخرج من قمم الدكتاتورية والتبعية للحاكم بأمر الله والسوط وكيس الدراهم التي كان الدكتاتور يتصدق بها على أدباء وفناني ومثقفي كابونات النفط العراقي، والآن الخليجي.
أقرأ ايضاً
- فلسطين والجامعات العالمية والصدام الكبير
- حبل الأمل ورقبة صدام
- النظام السياسي في العراق وإعادة مفاهيم صدام الخطيرة إلى الأذهان !!