حجم النص
يتساءل الكثير من المحللين السياسيين والخبراء الإستراتيجيين عن جدوى وأهمية عقد لقاء او اجتماع "وطني" في مناخ سياسي وامني عاصف وغير مستقر ومن خلال ماراثون الجلسات التحضيرية الممهدة لعقد هذا المؤتمر او اللقاء يتضح ان مايؤمل منه ان يكون خارطة طريق نحو حل الأزمات المستعصية وفك الانسدادات وحل الغاز الاستعصاءات قد يتحول هو الآخر الى أزمة او مشكلة بدلا من حلها ..
الأزمة او منظومة الأزمات التي بصدد معالجتها المؤتمر الوطني هي اكبر من اي جدول أعمال او مجموعة ملفات توضع في سلة واحدة وتعالج "معالجة" شاملة ، فهي أول ما تكشف عن خلل بنيوي رافق التأسيس الدولتي غداة التغيير النيساني كما تكشف عن خلل بنيوي آخر رافق التأسيس الحكومي الذي اتخذ التوافقية / التحاصصية منهجا في إدارة مؤسسات الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث وهو منهج لم يعد خافيا على احد انه مليء بالمطبات والألغام الحالية والمستقبلية ان استمرت العملية السياسية على هذا المنوال، لذا إن البعض يُخطئ حين يُنظِّر ويتصور ان قضية طارق الهاشمي بأبعادها القانونية والسياسية والأمنية هي وحدها "القشة" التي كسرت ظهر الحد الأدنى من التوافق المفضي الى إجماع وطني بنسب مقبولة وحطمت عُرى التشارك الهش، أو إن تداعيات هذه القضية وتفاعلاتها أدت الى "ضرورة" عقد أي لقاء او مؤتمر وطني يلمُّ شتات الأطراف المتشاركة في العملية السياسية ويدفع بهذه العملية الى أمام وبما تبقى من عمرها وذلك حرصا على المصلحة الوطنية العليا ويحافظ على اكبر قدر من "الانسجام" الذي لم تتصف به العملية السياسية ولا الفرقاء السياسيون بنسبة معقولة، اذ لم يكن معظم السياسيين منخرطين في أدائهم الحكومي كفريق عمل واحد "مفترض" مهما اختلفت توجهاتهم السياسية او الحزبوية او تعاكست أجنداتهم، وعدم الانسجام هذا لم يؤدِّ الى تشكيل فريق حكومي توافقي / تحاصصي متناغم من جهة ولم يودِّ الى تشكيل حكومة أغلبية سياسية كما هو معمول به في الديمقراطيات العريقة من جهة اخرى ...
وهنا يكمن جوهر المسألة التي يجب ان تطرح في جدول أعمال المؤتمر فضلا عن المشاكل العاصفة التي سببتها الديمقراطية التوافقية في عموم المشهد العراقي وتأثيراتها السلبية على مجمل الأوضاع العراقية سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا وامنيا وغير ذلك إضافة الى قضايا الفساد المالي والإداري والخروقات الأمنية المستمرة والبطالة والفقر والأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي والخدمات وتقنين العمل الحزبوي وفق ضوابط دستورية والديون المترتبة في ذمة العراق وتنشيط الاقتصاد العراقي وتنويع مصادر الدخل القومي والمناطق المتنازع عليها وجدل الأقاليم والفيدراليات المحتدم وغيرها من المسائل والملفات ذات الطابع الحيوي والإستراتيجي، فالمسالة اكبر بكثير من أي حدث امني او سياسي عارض وان كان ذا أهمية بالغة وخطورة على الأمن القومي وعلى حياة المواطنين او سيادة الدولة. ومن وجهة نظر موضوعية إن من المبكر الحكم بتفاؤل او تشاؤم على أية نتيجة تتمخض عن المؤتمر في حال عقده كون الملفات المطروحة في جدول أعماله ما تزال غير معلنة للرأي العام فضلا عن تباين (وأحيانا تنافر معاكس) مواقف السياسيين من هذا المؤتمر ابتداءً من تسميته التي لم يتفقوا عليها حتى اللحظة، وتوقيته وآلياته وماهية الملفات المطروحة في جدول أعماله وجدية هذه الكتلة السياسية او تلك في المشاركة في مضماره الذي تعددت فيه الأجندات والنوايا والمشاريع التي يبدو بعضها اقرب الى الفنتازيا السياسية منها الى الواقع العراقي الراهن مع استمرار الخلافات العمودية بين الكتل الكبيرة .
ليس المطلوب عقد مؤتمر او لقاء وطني لحل القضايا "العالقة" او لحلحلتها او لفك التشابكات والعقد ورفع التعثرات التي تعتري العملية السياسية التي يفترض انها تمأسست على آليات ديمقراطية شفافة لتكون البديل الناضج لديكتاتوريات جثمت على صدور العراقيين عقودا طوالا ، المطلوب عقد مؤتمر تأسيسي تشارك فيه جميع الفعاليات السياسية والوطنية بجدية لوضع خارطة طريق لأبجديات التعاطي مع الملفات العراقية ابتداءً من الاتفاق المبدئي حول هوية الدولة العراقية التي لم تتضح حتى الآن وليس انتهاءً بالاتفاق "المبدئي" حول الحد الأدنى من آليات التشارك في صنع القرار السياسي وصولا الى التحرر من الضبابية التي مايزال يتقمص بها المشهدُ السياسي العراقي ولإقناع الناخب العراقي بان صوته الثمين لم يذهب سدىً !!!
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية
- مؤتمرات القمم العربية .. الجدوى والنتائج
- العراق وأزمة الدولة الوطنية