حجم النص
لطيف القصاب
يقول أحد مشاهير أمريكا إن السياسيين يقومون غالبا بدعم المشاكل لا حلها . ذلك أن استثمار بعض المشاكل وتوسيع دوائر خطرها من شانه أن يلفت أنظار الناس إليهم ويزيد من كمية العجاج الذي يحدثونه جراء ادعائهم الزائف بكونهم المعالجين لمشاكل الناس! وللتخلص من هذا الدور السيئ الذي يجتهد في لعبه السياسيون عادة لاسيما الفاشلون منهم فقد نمت في البلدان المتطورة برلمانات محترفة تجيد سن القوانين الملبية فعلا لاحتياجات وطموحات وتطلعات مواطنيها . فضلا عن ظهور منظمات مدنية استبسلت وما تزال في التصدي لمحاولات تهديد السلم الوطني من قبل بعض السياسيين ومنعهم من محاولات الضحك على ذقون المساكين منتهزين وجود خلافات بينية في هذا المكون الاجتماعي أو ذاك فيسعون إلى تضخيمها والاستفادة مما تدره عليهم من موائد إعلامية رخيصة. وعليه فقد عملت هذه البرلمانات المنتخبة والمنظمات الطوعية سوية على الضغط الدائم باتجاه تشريع قوانين لتحديد حركة السياسيين الانتهازيين ومنعهم من التصيد في الماء العكر أو صب مزيد من الزيت على النار في مناسبة وأخرى . لكننا في العراق ما نزال ابعد ما نكون عن الوصول إلى قوانين محترمة من هذا النوع في ظل الخراب الحاصل في العدد الأكبر من منظمات المجتمع المدني وتحول العديد منها من جمعيات للعمل الطوعي إلى دكاكين تجارية مع الأسف الشديد. أما الأكثرية من أعضاء برلماننا المحروس فلا يهتمون بشيء في الدنيا قدر اهتمامهم بمتعهم وامتيازاتهم على حساب معاناة الغالبية العظمى من مواطنيهم المحرومين من ابسط الحاجات الإنسانية الأساسية ناهيك عن الطموحات والتطلعات. وخير دليل على ذلك إقرار الموازنة العامة للدولة لهذا العام التي كرست هذا المفهوم بشكل لا يطاق حينما أقرت تخصيص مبالغ هائلة لشراء سيارات مصفحة لحماية أعضاء مجلس النواب في حين لم تبالِ بمعاناة المتقاعدين المزمنة واكتفت برمي مبلغ بائس على رواتبهم لا يكفي لشراء عشر دجاجات فقط . وعندما بدأت أقلام الصحافة الحرة بانتقاد هذا التباين المجحف في طرق حياة العراقيين انبرى أحد مشاهير الساسة العراقيين وهو رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي بدعوة البرلمانيين إلى التريث في شراء مصفحاتهم إلى الوقت الذي " يكون الشعب فيه أكثر تفهما لعمل البرلمانيين الشاق "!
إن عدم وجود كوادر تشريعية وحقوقية نزيهة وقوية بما فيه الكفاية في البرلمان والمجتمع المدني العراقي لا يعني الانبطاح أبدا أمام تيار الظلم والسخف السياسي ولابد لحملة الفكر من الإعلاميين أن يمارسوا دورا محوريا في مجال إشاعة العدل بين عموم المواطنين، والتصدي لهؤلاء الذين يريدون كل شيء ولا يعملون أي شيء سوى تضخيم مشاكل الناس الطائفية والعرقية والمناطقية ومحاولة العيش فيها وعليها إلى ابد الآبدين بوصفهم الممثلين الشرعيين للطوائف والأعراق والمناطق في هذا العراق الذي كان وما يزال وربما سيبقى لا قدر الله مثالا للقول الدارج : ناس تاكل دجاج وناس تتلكى العجاج .
[email protected]