بانتهاء عام 2009 يبدأ العد التنازلي لحقبة الكبار المديدة.. الكبار عمرا، ومنتوجا، ودولا، وبحسب علوم المستقبل، فان الكثير من وصايا وهيمنة الآباء والقامات والمنظومات والعقائد وانظمة واساليب الحكم قد شاخت، او استنفذت وظائفها، واصبح الكثير منها عائقا امام التطور، وستكفّ، منذ حلول العام 2010(تدريجيا طبعا) ان تكون سيّدة المسار العام لاقدار البشرية، كما ستشهق الكثير من المخبوءات والمدفونات والحجوم الصغيرة والمجهرية الطريق عن حقائق لا يمكن إلا الاعتراف بها، والتعاطي معها، والافساح في المجال لها، لكن –وبحسب قوانين التطور- ليس من دون صراع.
فليس من دون مغزى ان يتزايد انتباه المجتمعات ومعاهد العلم والجماعات الانسانية الى اهمية العناية بالاطفال، وقبل هذا، الى الشكوى من عنف الكبار ضد الطفولة، وشاءت الامم المتحدة والمنظمات التابعة لها ان تجعل من حقوق الطفولة للنمو المستقل، الطليق، لوازم للاباء والمجتمعات، واستجابت الكثير من الدول الى تلك اللوازم بتشريع القوانين التي تتكفل ولادة اجيال قد تخلصت من الخوف والنمطية وسطوة الابوة، وظهر ما امكن تسميته بالانتاج الاجتماعي للصغار، وفي النتيجة، لاحظ خبراء التربية لمنظمة اليونسكو بان الطفولة المنتجة للمعارف والقيم بدأت تدق الابواب، وان المفاهيم والتعاليم القديمة بصدد التربية وتنشئة الاجيال “تمشي الآن على عكازات”.
وإذ تصدعت منظومات تفكير شغلت العالم، وتراجعت عقائد اساسية ومهيمنة ومعترف بها، واحدة بعد الاخرى، وطوال عقود وعقود، فان العامين الماضيين، فتحا الابواب المغلقة امام اشارات مراجعة شاملة ليس في الخلاصات النظرية والتنبؤات والتصورات، فقط، بل وايضا في اساليب وقواعد ومنطلقات التفكير والتأمل والبحث، واصبح (وهو المهم) الاعتراف بشيخوخة واعتلال “القديم” مقدمة للاعتراف بالجديد الذي بدأ ويبدأ من عتبة “الصغار” ناشطا وموثوقا واكثر استعدادا للاجابة على الاسئلة المؤجلة والمصيرية، وكبار الدول صارت تتخبط في سياساتها وعسفها حيال صغار الدول، الرثة، والشعوب المنسية، فيما الاخيرة اكتشفت الكثير من الممرات لكي تفلت من الاحكام الثقيلة التي فرضت عليها، ويمكن القول بان واحدة من تلك الممرات تصدير ازماتها بواسطة الملايين من المهاجرين والعاطلين الذين تدفقوا الى قلب الدول الموسرة والكبيرة ليضرموا النيران في ثيابها الانيقة، وتشاء التطورات ان تجعل من صغار الدول، المتحدة في العوز والتطلع، قوة مؤثرة الترتيبات الدولية المصيرية، الامر الذي اضطر رئيس الوزراء البريطاني غولدن براون في ختام قمة المناخ ان يشتم “حفنة من الدول” الصغيرة التي كانت اكثرية المؤتمر عددا، ويتهمها باختطاف قرار القمة.
العام 2010 سيطلق صغارا الى واجهة المسرح.. وهناك كبار سيبدأون البحث عن مقاعد لهم بين المتفرجين.
ــــــــــــــــــــــــ
.. وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــ
“أولادكم ليسوا أولادا لكم.. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم”..
جبران خليل جبران
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- جرائم الإضرار بالطرق العامة