من اللافت للنظر إن الكثير من الإعلاميين العراقيين سواء منهم المنتمون الى نقابة الصحفيين العراقيين أم الذين لم ينتموا برغبتهم او لأسباب أخرى، يعملون في أكثر من مجال صحفي وأكثر من صفة مهنية ،وعند أكثر من جهة إعلامية حكومية او حزبية او أهلية وغير ذلك . وقد عرَّفت نقابة الصحفيين الصحفي العراقي في قانون حماية الصحفيين الصادر في 2 / آب / 2009 المادة /2 من هذا القانون بـ ( يقصد بالصحفي لأغراض هذا القانون كل عضو في نقابة الصحفيين) وواقع حال المشهد الإعلامي في العراق يشير الى ان الكثير من الإعلاميين لا ينطبق عليهم هذا الوصف إما كونهم غير مسجلين لدى النقابة او كونهم غير مؤهلين للعمل في المضمار الإعلامي فضلا عن عدم اعتماد الكثير من المواقع الإعلامية والصحفية لدى النقابة ذاتها ولأسباب يطول شرحها.
ومهما كانت \"صفة\" الصحفي العراقي\"وتصنيفه\" معياريا فان تعدد مجالات عمله في أكثر من موقع وصفة بات يثير أكثر من تساؤل عن مشروعية هذا التعدد من النواحي القانونية والتنظيمية والمهنية والعملية إضافة الى الأكاديمية (إن وجدت) وهذا ما لم تشر إليه النقابة في القانون آنف الذكر او غفلت عنه سهوا او عمدا ، فعلى سبيل المثال نجد الإعلامي متنقلا مابين مجال وآخر وجهة وأخرى قد تكون متباينة او متناقضة في الأطروحات والأيديولوجيات والأجندات والأهداف المتوخاة من الخطاب الإعلامي كأن يعمل محررا في صحيفة (مثلا) ذات اتجاه ديني وفي ذات الوقت يعمل في صحيفة ذات اتجاه علماني او ليبرالي بحت ، ومن ثم الى صحيفة حكومية او أهلية او ما شابه ذلك وهكذا تتعدد النشاطات (مابين السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية وغيرها) وتتنوع الولاءات لان كل جهة تسوق ما ترتئيه مناسبا لفلسفتها وتوجهها وتفرض ذلك على المشتغلين تحت جناحها ومن الطبيعي أن لا يخرج الإعلامي عن أجندة أي إطار يعمل فيه الأمر الذي يفقده الكثير من المصداقية والمهنية والجودة والكفاءة ما يشكل نسقا غرائبيا خارج المألوف المعياري العالمي للاختصاصات المهنية الإعلامية وللمختصين في مجال الإعلام .
وبعض الإعلاميين لا يعمل بصفة واحدة ( بل بصفتين او أكثر) فقد يعمل بحسب الظروف التي تتهيأ له (او العلاقات الشخصية) محررا في إذاعة محلية ثم ينتقل ليعمل مقدما في قناة فضائية او مصححا لغويا في جريدة ورقية او يكون مراسلا لوكالة أنباء محلية او أجنبية ثم يعمل محررا في موقع الكتروني ليعمل بعدها سكرتير تحرير في مجلة تعنى في شؤون الثقافة والأدب او شؤون المجتمع المدني ..ان السبب الظاهر من هذه السلسلة الطويلة من التعدديات هو الوضع المادي الصعب الذي يعاني منه اغلب إعلاميي العراق كون ما يتقاضونه من عملهم لا يكاد ان يسد متطلبات معيشتهم وعوائلهم وكما معروف ان اغلب رواتب الإعلاميين العراقيين متدنية قياسا الى ما يتقاضاه اقرأنهم في بلدان أخرى ..كما يحاول بعضهم أن يستغلوا ما عندهم من مهارات او \"علاقات \" من التي تتوفر بسهولة في هذا المجال ليستثمروها بهذا الشأن، أما باطن المسألة فإنه يشي بأمور أخرى منها، عدم وجود رؤية إستراتيجية إعلامية تتبناها الدولة او وزارة الثقافة او نقابة الصحفيين او مؤسسات ثقافية ومعرفية لتنظيم العمل الإعلامي وتقنينه كالاستراتيجيات التي تبنتها الدولة العراقية الحديثة في السياسة او الاقتصاد او الأمن وهو ما خلق عشوائية في جميع الاتجاهات الإعلامية ومسببا الفوضى التي عمت المشهد الإعلامي العراقي منذ تغيير نيسان 2003 ولحد الآن ! وعدم قانون او تشريع ينظم آليات العمل الصحفي ويحدد مساره وأهدافه فصار المجال الإعلامي أشبه بساحة مفتوحة لكل من يجد عنده \"القدرة\" لولوجها بكل يسر وسهولة دون وجود ما يقنن عمله ويحدد مسيرته المهنية فمن غير المعقول ان تتعدد \"المواهب\" وتتشاطر المسؤوليات وتتنوع الاختصاصات وتتلاقح المهام فيكون الإعلامي عبارة عن حزمة متناظرة ومتشابكة من النتاجات المتباينة التي يتخصص بها معظم أقرانهم من صحفيي العالم الذين يعملون بضوابط وقوانين وحتى \"كوابح\" شأن زملائهم التكنوقراط في بقية المجالات الحياتية وهذه إحدى سمات الإعلامي الناجح والاعلام المتسم بالمهنية .
ان الكثير من المشتغلين في الصحافة العراقية يجدون أبواب الإعلام مشرعة أمامهم ليجربوا حظهم ويسترزقوا منه ويكفي احدهم لاستحصال انتماء لدى نقابة الصحفيين أن تؤيد مؤسسته (كتاب تأييد فقط) التي يعمل فيها استمراريته في العمل الإعلامي لديها فيكون عضوا منتميا في النقابة (عضو مشارك) وبالصفة التي تؤيدها تلك الجهة في كتاب التأييد المرفق في \"المعاملة\" ذاتها التي تقدم في جميع دوائر الدولة ومؤسساتها إضافة الى المحسوبيات والتوافقات والتحاصصات التي أدخلت من لا خبرة له او كفاءة او مؤهل او حرفية او مهنية الى الفضاء الإعلامي الذي يجب ان تتوافر فيه مقومات الاحتراف والموهبة والثقافة والدراية إضافة الى العلوم النظرية والجانب التطبيقي..
إعلامي وكاتب [email protected]