- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أسس التحول الديمقراطي في العراق الجديد
التحول الديمقراطي مسألة اجتماعية - سياسية بامتياز، لا يقتصر تحقيقها في مؤسسات الدولة وفقط، إذ لا بد ان تطال كافة الفئات والشرائح الاجتماعية المعنية تماماً بعملية التغيير الديمقراطي، وبذلك تصبح الدولة، عبر هذا المفهوم العام والشامل، دولة للكل الاجتماعي، وليست مجرد مؤسسة لفئة معينة من فئات المجتمع دون غيرها، وبهذا تتخذ عملية التحول أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية.
ومنذ أن استولى البعث الفاشي على مقاليد السلطة في العراق في انقلاب تموز 1968 وشعبنا يعاني من القمع والتعسف، وانتهاك حقوق الإنسان وافتقاد حقوق المواطنة بصورة لا حدود لها، عبر تغييب الحريات العامة المدنية والسياسية، وطغيان القوانين الصدامية كسيفٍ مسلط على رقاب المواطنين، إضافةً لاحتجاز السياسة عن المجتمع، وإقصاء فاعلياته الرئيسة عن المساهمة الفاعلة في تحديد التوجهات العامة في مختلف الميادين، وفي تطوير العلاقات الاجتماعية لمجتمع يعاني من واقع التأخر التاريخي والتخلف الحضاري، إضافة لانتشار الفساد والإفساد الذي طاول
كافة مؤسسات الدولة، والإصرار على التحكم السلطوي الفئوي بمقدرات المجتمع ومصيره، ومحاصرة طموحاته الوطنية في بناء دولة مدنية حديثة تواكب التقدم الإنساني، وما فيه من تحولات عالمية عميقة ومتسارعة في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والتقدم العلمي والتقني والثقافي. ولقد حاصرت الدولة الأمنية ذات الحزب الواحد الطموحات الشعبية والوطنية لبناء مقومات التحديث والحداثة في العديد من المجالات، ومارست عملية القمع اتجاه كافة أشكال الحراك الثقافي والسياسي المدني، وامتنعت عن السماح
لمنظمات وهيئات المجتمع المدني، وفي مقدمتها منظمات وجمعيات حقوق الانسان، في أن تتشكل بصورة طبيعية وقانونية، بالرغم من توافر كافة الشروط, وأحكمت القبضة الأمنية المتشددة على تكويناتها الأولى، ومارست سياسة الإقصاء إزاء التشكيلات الثقافية والحزبية الأخرى التي تتعارض مع نهجها التعسفي، او محاولة الاحتواء للهيمنة عليها، وحرفها عن الأهداف النبيلة التي أنشئت وقامت من أجلها، وذلك عبر ممارسات القمع والاعتقال، ومنعها من
ممارسة نشاطها المحدود والمتواضع أصلاً، في مجتمع يشكو من أسباب التخلف كحالة عامة وقائمة ونتائجه التي تنعكس سلباً في الواقع الموضوعي. مما أدى إلى انتشار الفقر المدقع والأوضاع المعيشية البائسة، وعدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجات أبنائهم وأسرهم المادية في أبسط مستوياتها، وسط أوضاعٍ اقتصادية متردية تنذر بمخاطر كبيرة في حال استمرار هذا التدهور الواضح.
من هنا يمكننا القول إننا لم نكن نمتلك مقومات الدولة الحديثة قبل التاسع من نيسان 2003 وبالتالي لا يمكننا أن نقول إننا كنا نعيش في دولة ديمقراطية ونسعى لبناء ديمقراطي رغم إن الديمقراطية لن تكون حلاً سحرياً لكل المشكلات والإشكاليات التي خلفها النظام البائد على كافة الأصعدة إلا أنها تحقق المناخ السياسي اللازم لحل هذه الإشكاليات بطريقة موضوعية صائبة، بعيداً عن ارتكاب الحماقات والأخطاء التي كثيراً ما ترتكب في ظل غياب الديمقراطية، وحضور القمع والاستبداد وانتهاك آرامة الوطن والمواطنين.
من هذا المنطلق نجد أنه ثمة عقبات كبيرة واجهت التحول الديمقراطي وبناء الدولة في العراق, وأبرزها الطبيعة البنيوية للدولة الأمنية في العراق ابان حكم البعث الفاشي ومخلفاتها الكبيرة، يضاف الى ذلك التحديات الإقليمية التي واجهت العراق حكومات وشعب منذ التاسع من نيسان 2003 وتمثلت بالتدخل العلني من قبل الكثير من الدول الإقليمية ودعمها لفصائل مسلحة تحت تسميات (المقاومة) وتسخير الماكنة الإعلامية لتقويض نشأت وتكوين الدولة
العراقية الحديثة خشية وصول الديمقراطية إليها خاصة وان الولايات المتحدة الأمريكية كانت تسعى لجعل العراق أنموذج للديمقراطية في المنطقة، كما قلنا هذه التدخلات ساهمت في القضاء على ما تبقى من البنى التحتية للدولة من منشآت وخدمات تصب في مصلحة الشعب العراقي عبر عمليات إرهابية منظمة طالت محطات الكهرباء ومياه الشرب وأنابيب النفط وغيرها. وهذه التحديات من الخطورة بحيث استطاعت لفترة ما من جر العراق ومشروعه الديمقراطي الى التناحر الذي قاد الى المحاصصة المبنية أساسا على أسس عرقية وطائفية. ومع كل هذه التحديات وجدنا إن التحول الديمقراطي في العراق قد أنجز بالتصويت على الدستور وانتخاب حكومة ومجالس محافظات رافقها تحسن أمني ملحوظ وانكفاء العديد من الدول الإقليمية وخاصة بعض الدول العربية عن التدخل المباشر في الشأن العراقي، هذا التحول أتاح للحكومة العراقية الحالية من أن تنجر انتخابات مجالس المحافظات في بداية عام 2009 بشكل سليم نال إعجاب واستحسان المراقبين الدوليين وبالتالي فان العراق يتجه الى تطبيق معايير الديمقراطية والنظام
الديمقراطي تتمثل في عدد من الأسس الرئيسة، نتخير منها: أولاً إقامة دولة الحق والقانون، أو بالأحرى سيادة القانون العادل ناظماً للعلاقات بين أبناء المجتمع وفئاته المختلفة ومساواتهم الكاملة أمام القانون، وبينها وبين مؤسسات الدولة في مستوياتها المتعددة، وان لا شيء في المجتمع بدون قانون، وهذا يتطلب بالضرورة أولاً وقبل كل شيء التأسيس لعقد اجتماعي وتعاقد مجتمعي مدني وديمقراطي يشكل المحور والناظم لكل القوانين المنبثقة والمعبرة عنه كمحورٍ
رئيس ينظم العلاقات بين أبناء المجتمع المعني. المعيار الثاني يتمثل في الفكر المؤسساتي وتعبيراته المتعددة في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، ومن شأن هذا الفكر أن يعيد تنظيم العلاقة وتصويبها بين الفرد والمؤسسة التي يعمل كون المؤسسات العامة هي ملك للمجتمع
وليست مزرعة للقائمين عليها، وان قيمة المؤسسات الخاصة تنبع من مدى ما تقدمه للشعب من فوائد وخدمات ومن مساهمتها في بناء النهضة متعددة الجوانب . المعيار الثالث يتمثل في حضور الإرادة الشعبية، والتعبير عنها في الانتخابات الحرة والنزيهة, وتمكين هذه الإرادة من التعبير عن نفسها في محاسبة المسؤولين في الدولة.
المعيار الآخر هو احترام حقوق المواطنة بكل ما تنطوي عليه من حريات مدنيةٍ وسياسية واجتماعية وثقافية محددة وفقاً للقانون المنبثق من العقد الاجتماعي. وسبق كل هذه المعايير نقطة مهمة جدا تتمثل في الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحديد طبيعة العلاقة بينها بما يضمن فعلها وتفاعلها فيما بينها، دون طغيان إحداها على الأخرى، ما يمكن اعتباره أساساً لبناء الدولة المدنية الحديثة، وهي الأسس المنبثقة من المفهوم الذي نقصده من الديمقراطية .
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي