- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشعائر الحسينية... إدامة صيحة المظلوم بوجه الظالم
متوهم كل من يتهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عند إحياءهم للشعائر الحسينية بالبدعة والخدعة، فالإمام الحسين عليه السلام هو الدال إلى الله تعالى ومن أحبه أحب الله ومن أبغضه أبغض الله، وإحياء شعائره بما فيها إظهار الجزع والمودة والإطعام وسوق المسيرات الحزينة والبكاء والعويل والضجة والعجة وكل ما يعكس عظم المصيبة والرزية التي ألمت بالحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الكرام، كلها تصب في تعظيم شعائر الله وهي تدل على مراتب عالية من التقوى والإيمان، وهذه الشعائر هي التي حافظت على الإسلام المحمدي الأصيل الذي يرفع لواءه علماء وأتباع أهل البيت عليهم السلام.
خصلة واحدة انفرد بها أتباع أهل البيت ألا وهي الدفاع عن مبادئ الرسالة المحمدية الأصيلة والثبات عليها مهما عصفت بهم الظروف، تعلموا كل تلك الأمور من قادتهم وأئمتهم وعلى رأسهم الإمام الحسين الذي ضرب أروع الأمثلة في رفض الأنظمة الظالمة وإن تسترت بالإسلام، وهذه الخصلة لا يمكن مشاهدتها سوى في مدرسة أتباع أهل البيت، إذ أن علماء سائر الطوائف معروف عنهم مغازلتهم للحكام الظالمين حفاظا على مصالحهم الشخصية ومناصبهم الدنيوية التي هي غالبا ما تكون مرتبطة بأجهزة الأنظمة الظالمة على عكس علماء المذهب الشيعي فإن حوزاتهم وجامعاتهم العلمية ومؤسساتهم هي مستقلة تماما عن أجهزة السلطات الحاكمة.
علاوة على ما ذكر فإنه وردَت تأكيدات كثيرة من قِبَل الأئمة عليهم السلام على إقامة عزاء سيد الشهداء الحسين عليه السلام باستمرار، والإبقاء على صوت مظلومية آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وإدامة صيحة المظلوم بوجه الظالم في كل مكان وزمان، وإن هذه الصيحة يجب أن تبقى حيةً مستمرةً، كما إن الشعائر الحسينية وخاصة المجالس الحسينية تحفظ مدرسة سيد الشهداء عليه السلام ومنهجه الذي يرتكز على إدامة المفاهيم الإسلامية السمحاء، والذين يقولون خلاف ذلك لا يعرفون أساساً ما هو منهج الحسين عليه السلام ولا يدركون أن إقامة المآتم والمجالس والبكاء قد حفظ الإسلام منذ ألف وأربعمائة عام، وأن هذه المنابر والتعازي ومواكب الحزن هي التي حفظت لنا الإسلام.
والشعائر الحسينية طالما عملت تأثيرها السرمدي في حياة من عرفها وأخذ من معينها الدروس الرسالية والتضحوية التي تمثل أسمى ما جاءت به رسالة السماء من معان في الحق والعدل ومحاربة أشكال الظلم والفساد والاستبداد في العالم، تلك القضية التي مبادئها وأسسها قائمة على إعلاء كلمة الله ونصرة دينه التي لخصها في كلمة واحدة قائدها وملهما سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) الذي قال الشاعر عن لسانه ( إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ) وها هو العالم العاشق لهذا الإمام يجدد العهد بإحياء ذكرى ثورته ومأساته التي ذهب ضحيتها أهل بيت الرسالة كباراً وصغاراً حتى طفله الرضيع الذي لم يسلم من سهام الأعداء.
نعم الشعائر الحسينية التی تحيي النفوس والضمائر المتلهفة لإحقاق الحق وإبطال الباطل والتي تشعل في النفوس كلما ذكرت وقوداً إيمانياً بقضايا عديدة يلتمس فيها إزالة كل ما هو باطل وعار في حياة الأمة، إضافة إلى أنها بركة إلهية في كل مداها في حياة من عرفها من الأمم والشعوب فهي شعلة أولاها أئمتنا المعصومين (ع) عنايتهم وحفظها الله لنا لتبقى نوراً وقاداً يحيي الضمائر والقلوب، وهي تراث عظيم لا يمتلكه إلا المؤمنين بها والموالين حقا لأهل البيت (ع) والسائرين والباذلين المضحين بنفوسهم ومالهم وأهليهم في سبيل نصرة القيم والعدالة إلى وقتنا الحاضر .
إننا كأمة آمنا بالحسين ومازال صوت الحسين ينادينا ويهتف بنا في كل مكان بحناجر المستضعفين في الأرض والمظلومين والمضطهدين، وواجبنا أن نحافظ على هذا النبراس العالمي وإعطاءه حقه أكثر فأكثر عبر سرد أحداث الثورة الحسينية المباركة وطرح أهدافها ومبادئها من خلال أمور شتى والذكرى تنفع المؤمنين، وفي هذا الصدد نسجل بعض النقاط:
1) التوسع في المنبر الحسيني أداء ومضمونا الذي كان له الدور الكبير لإبراز القيم والمفاهيم والمبادئ المستوحاة من هذه النهضة المباركة.
2) التركيز على إلقاء الشعر والرثاء والبكاء على الحسين وأهل بيته (ع) وأصحابه وأنصاره المستشهدين بين يديه لما فيه من تأثير جم على سلوكيات المؤمن في المجتمع الإسلامي.
3) إحياء الشعائر الحسينية بالمسيرات والمواكب والإطعام وكل ما من شأنه أن يكرس المفاهيم الثورية الحسينية في أوساط الجماهير، وهو إحياء لأمر الدين والمبادئ السامية التي ضحى من أجلها الإمام.
4) زيارة الإمام الحسين عليه السلام زرافات ووحدانا وبأمواج بشرية عاتية تقذف الرعب بوجه الظالمين وتبين أن المؤمنين كالبنيان المرصوص لا يفت من عضدهم الإرهاب ولا يخر من عزائمهم نعيق الغربان.
إن إقامة الشعائر واستمراريتها تعبير حي عن نهضة الإمام الحسين وتتجلى فيها مبادئها وقيمها ومثلها، وتعتبر أهم ركائز الحركة الإسلامية التي تهدف إلى رفعة الحق ونصرة المستضعفين ومحاربة الظلمة والمعتدين وإعطاء أروع الأمثلة للبشرية جمعاء في العيش الكريم الذي لا يخضع لابتزاز ولا يطأطأ لأي نوع إغراء أو إطراء أو تهديد أو تخدير لاسيما إذا ما يمس الثوابت الإسلامية التي لا يمكن التنازل أو التماهي أو التباهي بها بحال من الأحوال.
فلولا وجود الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأنصاره في الضمائر ولولا أخذ روح الإيثار والتضحية والشهادة وأمور كثيرة من كنوز عطاءاتهم في مسيرتهم الحسينية لما بقي روح النصر على الطواغيت تتأجج في نفوس الموالين الساعين لإقامة دولة العدل والمساواة في هذه المعمورة، ولا يسعني إلا أن أقول بارك الله في الخطى التي تسعى للمسير على نهج سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والتي هي مضحية من اجل نصرته وإجابة دعوته في عصرنا الحاضر.
ولا يكون ذلك إلا بإحياء الشعائر الحسينية بشتى أشكالها التي تزرع في النفوس روح الإباء ورفض الظلم والجور من أي كائن كان، وطمر كل الأصوات التي تنادي بإخماد الشعائر الحسينية، تلك الأصوات النشاز التي تسعى إلى طمر الأهداف الحسينية من خلال التشكيك بالشعائر الحسينية التي إن قضوا عليها فإنهم قادرون على القضاء على صوته الهادر الذي أبى الله إلا أن يرفعه من خلال أنفاس وعبرة وأمواج المؤمنين الذين يجددون العهد مع الإمام وأهدافه من خلال إحياء الشعائر الحسينية عبر كل الأزمنة والأمكنة والأحوال.
أقرأ ايضاً
- شعار يا حسين في ركضة طويريج... صرخة المظلوم بوجه الظالم
- القضية الحسينية... مطمح المرجعية وملاذ الأمة
- الجنوب المظلوم والتخصيصات المالية له (البصرة انموذج)