قبل سنين عجاف قلائل مازالت محفورة في ذاكرة العراقيين وابان الاستبداد السلطوي الصدامي الشمولي كان ما يسمى بالمجلس \"الوطني\" سيئ الصيت يمارس دوره البوليسي في تدعيم السلطة الصدامية الى آخر عهدها الذي ولى غير مأسوف عليه الى مزبلة التاريخ وكان ايضا مؤسسة كارتونية ديكورية تابعة للحديقة الخلفية للقصر الجمهوري ولم يكن يحمل من صفات التمثيل عن الشعب سوى الاسم وكان يسبح بحمد ولي نعمته الدكتاتور الذي كان بدوره يقوم لوحده بسن القوانين والتشريعات وهي عملية من اختصاص البرلمان حصرا وعلى هذا المجلس الا ان يوقع عليها وبالاجماع صاغرا وهو \"ممنون\" ويبقى يصفق ويهلل ويطبل ويزمر...
ولكن وللاسف ومن تتبع بث قناة العراقية الفضائية ـ المقصود طبعا ـ ومنها الى اثير العالم اجمع ورأى المستوى الذي وصل اليه هذا البرلمان والذي جعلنا ـ نحن العراقيين ـ اضحوكة امام جميع دول العالم والذي تناقلته وكالات الانباء والفضائيات في العالم اجمع بصيغة ( الهرج والمرج) السوقي المتخلف وليس بصيغة المناقشات الحادة والساخنة والجدالات الصاخبة والمهاترات الصارخة بل بصيغة الهرج والمرج والردح ...من رأى وسمع ذلك تتقافز الى مخيلته الصورة الكارتونية المستلبة التي رسمها الاستبداد العسكرتاري الشوفيني الهمجي في مخيلة العراقيين عن من \"يمثلهم\" بالصيغة الطرطورية لمجموعة من الطراطير من نواب البرلمان المتصعلكين على ابواب الطغاة فتتراءى صورة اخرى معاكسة ذات مواصفات ديناصورية ومقاربات بهلوانية دعائية زعيقية شعاراتية هي ابعد ما يكون عن التمثيل البرلماني الذي استند او من المفروض ان يستند على اسس انتخابية تعتمد الرأي الشعبوي الحر في انتخاب الكفوء او من المفترض ان يكون كذلك ...
صورة البرلماني الطرطور مكسور العين من قبل الطاغية وصورة البرلماني الذي يتصرف بتصرفات لا يمكن ان تحدث حتى في اكثر البرلمانات تخلفا وبدائية وصورية .. وصورة الطاغوت الذي كان يعامل مجلسه \"الوطني\" بالجزمة وصورة رئيس البرلمان الذي لا يستطيع ان يضبط مجلسه خوفا من ان \"ينعلس\" من قبل العصابات والمليشيات التي يقودها بعض البرلمانيين وباعتراف المشهداني نفسه وبدا وكأنه لايهش ولا ينش وضاع صدى مطرقته وسط \"الهوسة \".. في برلمان الحيص بيص !!
..وصورة ان يكون البرلماني مجرد لعابة لتسلية الطاغوت ولتمرير القوانين \"براسه\" وبين البرلماني الذي يستعرض عضلاته وينفخ ريشه ويستأسد على غيره ويتحول من انسان كان بلا حول او قوة زمان الاستبداد الى طرزان ايام العملية السياسية المنتخبة والبرلمان الحر وهذا \"البرلماني\" مافتئ يكيل هذه العملية باقذع الكلام ويتهم ثلاثة ارباع (او اكثر) الشعب العراقي ـ وانا منهم ـ بالجبن والعمالة ..ليكون وحده البطل والمناضل في \"الساحة \" والشريف والوطني الاوحد والاخرون مجرد اشباح تدب على ساحة الوطن الذي انتج هكذا برلمان ..وهو الوحيد \"الخائف \" على مصير العراق والبقية جبناء لانهم لم يرفعوا السلاح بوجه المحتل حسب نظريته في \"المواطنة\" وطريقته في القتال في سبيل \"الوطن\" وطرد المحتل وكأنه هو الوحيد المعني بهذا الاحتلال وهو \"المحامي\" الذي وكله الاخرون للتكلم نيابة عنهم ..
فهل يوصف الشعب العراقي بالجبن والخيانة وهو الذي تحدى الطواغيت وقدم ملايين الشهداء ربما اكثر من الجهة التي يدعي هذا البرلماني او ذاك الانتماء اليها والتعكز عليها واين كان هو وغيره من \"الحريصين \" على العراق شعبا ومستقبلا عندما احتل \"الهدام\" دولة الكويت وجعل العراق كله في مهب الريح وتحت رحمة المجتمع الدولي ووصاية البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي احتكر كل مقدرات العراق السياسية والامنية والاقتصادية فضلا عن مستقبله الذي مازال مجهولا؟!! ..لماذا لم يعترض احد من هؤلاء ومن غيرهم على هذه المصيبة العظمى ولم يستطع احد منهم ان يتجرأ ولو بالاشارة الى هذه المسألة التي تحاول الحكومة جاهدة الان ان تخلص العراق وبحسب رؤيتها واستطاعتها من تبعات الماضي البغيض وليس دفاعا عنها بل كحل \"ما\" وسط يكون افضل من احتكار البند السابع ومن استمرار العراق تحت وصاية الاحتلال الامريكي فكلاهما مر والاتفاقية الامنية هي مر ايضا ولامناص منها اذا كانت تحفظ الحد الادنى من مطالب العراقيين .. ومن قال انها الانسب للعراق والافضل؟!! ..وليس من الصحيح والمنطقي الرفض القاطع لها والاعتماد على لغة الشعارات الرنانة والمطالب الطنانة التي تبدو رومانسية اكثر مما تعبر عن موقف سياسي ناضج ورمي الاخرين بالعمالة والخيانة وادخال العراق في نفق مظلم وبدون طرح برنامج واضح مقنع للجميع عدا المطالبة المستمرة بخروج المحتل او جدولة خروجه والخروج من وصاية البند السابع المذل والمسألة لن تكون بهذه البساطة وهو مطلب شعبي عام ولايوجد عراقي واحد لايمتلك هذه الروية ومن العيب اتهام الاخرين بعدم امتلاكهم اياها...
ان انتظار ماستؤول اليه الاحداث بعد تولي اوباما مهامه الدستورية يعتبر رهانا فاشلا وساقطا لان الثوابت الامريكية المتعلقة بالامن القومي الامريكي والمصلحة الستراتيجية الامريكية العليا تبقى ذات طبيعة بروغماتية تتناغم مع المصلحة الامريكية العليا وتبقى متحركة كذلك حسب المتغيرات التكتيكية وعلى الارض وكذلك تجديد تفويض الامم المتحدة لعام آخر يعتبر رهانا على حصان خاسر سلفا ولا مهرب من اتخاذ موقف وطني مسؤول يعتمد مبدا الواقعية السياسية الناضجة ...
خروج المحتل وترك العراق لاهله مطلب وطني عام وليس مطلبا خاصا ولا توجد هكذا قناعات في مضمار السياسة الدولية او في قواعد العلاقات الدولية فالاحتلال امر واقع وجاءت قواته من اقصى الدنيا من اجل ذلك ومن اجل سلب خيرات العراقيين واسقاط الصنم الذي هم جاؤوا به وجعلوه رئيسا على هذا الشعب وهم الذين اطاحوا به بسيناريو يتفق مع الاجندة الخاصة لذلك المحتل وعليه فان تصحيح المسار الخاطئ والمجحف بالعراقيين يجب ان يستند على اسس عقلانية وبرنامج واضح وليس بلغة الشعارات التي لا تنسجم مع اصول اللعبة السياسة ومع قواعد العلاقات الدولية ومع اعتبار واقع الحال باعتبار ان العراق بلد محتل وضمن قرارات الامم المتحدة ولن يخرج المحتل بجعل العراق رمادا وبحرق الارض واهلاك النسل والحرث ولن يخرج المحتل بمجرد المطالبة بذلك خصوصا اذا علمنا ان لهذا المحتل اكثر من 78 اتفاقية مع دول العالم بعضها من الدول المهمة جدا ..
ليس من الديمقراطية وحرية التعبير بشيء ان يظهر البرلمان بهذه الصورة التي اضحكتنا كثيرا لكنها ادمت قلوبنا واقرحت عيوننا \"اشكـَد عيب \" واوضحت هذه الصورة المؤسفة ان العراقيين لم يهضموا بعد ابسط مبادئ الديمقراطية وتفعيل لغة الحوار وتقبل الاخر وتسقيط الاخرين واحتكار القرار وعدم افساح المجال للغير حتى بالكلام والتشويش على الموضوع المطروح حتى لو كان مخالفا تماما ..الم يكن من الاجدى والاجدر ان تتم القراءة للاتفاقية علنا وعدم التشويش عليها ليتسنى للشعب العراقي الاطلاع عليها وليحكم هو بنفسه عليها وكي لا تكون الغالبية تحت مسمى \"الغافلين الكم الله\" والشعب هو ادرى بمصلحته من اية كتلة برلمانية ومن حقه هو ان يقبل او يرفض وليس من حق اية كتلة برلمانية ترفض اقرار الاتفاقية جملة وتفصيلا وحسب اجندتها الخاصة ان تفرض رايها ولا تسمح حتى بالقراءة منتهكة حق الاخرين بذلك وفارضة رايها على مجمل الشعب العراقي وتحتكر لوحدها تقرير المصير ..ومهما كانت عليه الاتفاقية ومهما كان مستواها من القبول والرفض ...واذا كانت هذه حال الكتل البرلمانية وتحت قبة البرلمان وامام الاضواء و(من المفترض ان يكون ممثلو الشعب في اعلى قمة المسؤولية والثقافة واللباقة) فكيف حال الشارع العراقي الذي بقي لآلاف السنين منسجما وجاء هؤلاء بمليشياتهم ونظرياتهم الاقصائية والبعض منهم حول بيته الى معمل للتفخيخ ..جاؤوا ليمزقوه و\"يطيحوا حظه\" وقد وصلت المهاترات اللامسؤولة وفارغة المحتوى بين هذه الكتل الى لغة اقل ما يقال عنها انها بذيئة وغير مقبولة حتى على المستوى العشائري او الاجتماعي او الشوارعي ..
هذا ليس برلمانا ايها السادة انه سوق للهرج والمرج والمهاترات السوقية والضرب والتهديد بالقتل على ايدي المليشيات..برلمان التخوين والعمالة ..حافظوا على ما وجوهكم امام وسائل الاعلام على الاقل ولا تحولوا قبة البرلمان الى ساحة للردح واحترموا مشاعر المساكين الذين انتخبوكم ...