لا بأس في تعبير الإنسان أحياناً عن سعادته ودواعي فرحه بما يعتقده ملائماً لمثل تلك المناسبة ، واحتفاله بالطريقة التي يرتئيها لنفسه وذويه ، كالزواج على سبيل المثال، شريطة أن لا يتسبب ذلك في أذى الناس وإزعاجهم ، وربما إرعابهم بإطلاق الأعيرة النارية وفيهم الطفل والمرأة والمريض أو الإساءة للمجتمع بطريقةٍ ما ، أو الإتيان بتصرفات مشينة تخدش مشاعر الآخرين ، كون الاحتفال بمثل هكذا مناسبات خاصة ، لا يعني بأي شكل من الأشكال ، تجاوز الحرمات وإباحة المحظور من خلال الخروج على الأعراف والتقاليد المتعارف عليها ، وقد أقرتها الشريعة المقدسة ، كما جاء في الحديث الشريف: \" المسلم من سلم الناس من يده ولسانه \" والأهم من كل ذلك محاولة الإساءة - دون قصد طبعاً - لمكانة مدينة مقدسة مثل مدينة كربلاء الحسين عليه السلام ، من خلال مكبرات الصوت ، وارتفاع أصوات النساء وخروجهن متبرجات ، وإطلاق المفرقعات والتزمير والتطبيل ، وربما بالرقص والغناء البعيدين كل البعد عن مبادئ ديننا الحنيف وأجواء مدينتنا المقدسة المعمدة بالدم الطاهر لأبي الأحرار ودماء أهل بيته وأصحابه الأبرار، فضلاً عن تجنيها على قيمنا العربية الأصيلة.
فإذا ما كانت مظاهر الاحتفال في مدينة كربلاء المقدسة لا تراعي مثل تلك التقاليد الاجتماعية والمواريث الدينية، ويتم التجاوز عليها في خضم حمأة الاحتفال وهيجة التعبير غير المنضبط عما يجيش في دواخل النفوس من الكبت والحرمان ، خاصة من قبل بعض الشباب المتأثر بآخر صرخات الموضة بمباركة الآباء وذوي الشأن والرأي من الأقرباء ؛ سواء في ارتداء الأزياء العجيبة أو قصات الشعر الغريبة وغيرها من مظاهر، فيبدو البعض منهم بحركاته الهستيرية كأن به مس من الجنونَ! وهو يقوم بمثل تلك الأفعال الشاذة متشبهاً بالنساء أحياناً ؛ فإذا كان مثل هكذا تصرف يبدر من بعض شبابنا في مدينة كربلاء المقدسة ، فكيف إذن يمكن تصور تصرفات أقرانهم في مدن البلاد الأخرى !.
أخيراً.. فان التعبير عن مظاهر الفرح ومراسيم الاحتفال به ؛ ينبغي أن لا يجردنا من قيمنا الأصيلة ومبادئ ديننا ، ومن ثم ينسينا احترامنا لقدسية مدينتنا الطاهرة وخصوصيتها المتفردة من بين مدن الأرض قاطبةً ، ولعل الأهم إغفالنا لحقوق سوانا ،وقد أوصانا ديننا الإسلامي العظيم بمراعاتها ، إذن لا ينبغي أن يتسبب فرحنا في إحزان الآخرين أو في جرح مشاعرهم ، وربما إلحاق الأذى بهم بالأصوات والحركات، أو إرباك حركة سير السيارات في الشارع ، وخلق الزحام والاختناقات المرورية ، وربما وقوع الحوادث أحياناً ؛ فكم من عرس انقلب على العريس وأهله وبالاً من خلال وقوع حوادث الدهس والاصطدام أو نشوب النزاعات الفردية أو الجماعية أو الاشتباك مع رجال الدولة في السيطرات وغيرها ، بسبب بعض التصرفات المتهورة ، مما يؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب ، وبدل دخول العريس عشه الزوجي يبات ليلته في السجن أو المستشفى !، وربما تحولت أيضاً سرادق الاحتفال بالعرس ذاتها إلى إقامة مراسيم الفاتحة على روح احد الضحايا الأبرياء لمثل ذلك الاحتفال من بعض المتهورين وحمأته الصارخة ، وهيجة التعبير غير المنضبط!.
أقول في النهاية : إن حرية الفرد في التعبير عن أفراحه وأتراحه؛ ينبغي لها أن تقف عند حدود بدء حرية الآخرين من أفراد المجتمع وان لا تتجاوزها بأي حال من الأحوال، مثلما نشهده في الكثير من التصرفات والمظاهر والأفعال السلبية التي لا تراعي للناس حقوقاً خصوصاً من الجيران وقد أوصانا الله كثيراً بحسن الجوار أو حتى من غيرهم ، ومن ثم عكسها صورة مشوهة عن شباب المدينة وأخلاقهم ، والأدهى تجاوزها على حرمة مدينتنا المقدسة.