تمر العملية السياسية باختبار ثقيل، ذلك ان أزمة كركوك، جاءت بعد ربيع سياسي جميل، أجمعت فيه الكتل السياسية على دعمها للحكومة في تصديها للجماعات المسلحة وفرض القانون في كل مكان من حدود الدولة..
الامر الذي رفع من حظوظ الحكومة عند كثير من الحركات والاتجاهات السياسية.. وقد وفرت عودة التوافق الى الحكومة كسبا سياسيا كبيرا لها، الامر الذي أكسبها وصف حكومة الوحدة الوطنية مرة اخرى.
أقول جاءت أزمة كركوك لتكدر صفو هذا الربيع في وقت كنا ننتظر من القادة السياسيين العمل بروح الفريق الواحد لكي نتجنب الوقوع في هذا المأزق السياسي.
ان تداعيات ازمة كركوك كبيرة على المشهد السياسي، ليست كما يتصوروها انها تشكل حجر الزاوية في العملية السياسية الجارية في العراق، لذلك لم يكن تعامل السياسيين مع هذه الازمة تعاملا ايجابيا.. لقد انقسم مجلس النواب على نفسه في وقت كنا ننتظر منه موقفا موحدا اذ عمل كل فريق فيه بمعزل عن الفريق الآخر، وكأنهما في صراع من اجل الوجود.. لذلك كان على المجلس التروي في البت في قانون مجالس المحافظات، لان العملية السياسية كما أسلفنا كانت دائما مبنية على التوافق (مع تحفظنا على كلمة التوافق ولكنه هو السبيل الوحيد للخروج من أزماتنا).. وبالتالي وقع مجلس النواب في خطأين: اولهما (وتشترك معه الحكومة) في انه أخرّ مناقشة القانون لنهاية الفصل التشريعي الاول.. والآخر: انه لم يدرك حساسية قضية كركوك ولم يتعامل معها بحكمة وتروٍ، اذ اخذت القضية طريقها للاعلام الامر الذي زاد الطين بلة، بعد ان راح النواب في الطرفين المتصارعين يتباريان في الفضائيات، وبالتالي كان الشارع العراقي حطبا لتصريحاتهم النارية ولاسيما في كركوك التي كان آخرها تصريح احدهم: (ان الامور ماضية نحو التأزم والحرب الاهلية واقعة لا محالة في كركوك).
على الرغم من ذلك كله: أقول، ان الموقف الذي اتخذه المجلس لم يكن معاديا لجهة معينة وانما كان اجتهادا قابلا للخطأ والصواب لذلك على التحالف الكردستاني النظر الى هذا الامر من هذا الباب وليس صحيحا التلويح باعادة قراءة التحالفات والاتفاقات مع القوى السياسية.. ان ذلك الامر يجعلنا جميعا ننظر الى موقفهم على انه موقف جهوي وعرقي لا يلتفت الى المصلحة الوطنية العليا ولطالما انهم أكدوا في مرات عديدة انهم جزء لا يتجزأ من العراق وان المصلحة العليا للبلاد هي التي يجب ان تسود دائما في كل الاوقات والظروف.
ان النقض الرئاسي للقانون اعاد الكرة ثانية الى مجلس النواب لكي يقول كلمة الفصل في هذه القضية، وان يترفع على كل النزعات المختلفة وينظر الى كركوك على انها حجر الزاوية في المشهد السياسي العراقي وان المضي في الازمة يعني كسر ضلع العملية السياسية برمتها والعودة الى المربع الاول وان مواصلة التوافق السياسي هو الطريق الامثل والانسب للخروج من عنق الزجاجة في
المشهد السياسي العراقي لكل الاطراف السياسية الراغبة في بناء عراق ديمقراطي جديد.
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- ظاهرة الحج السياسي