ارواح خضر تهفو بتطلعها صوب مداه الفسيح اللامتناهي هامسة : السلام عليك يااباالاحرار00ياحسين ياغريب كربلاء ، وعيون ترنو ناحية توهج الألق في قبته ومنارتيه المتسامية نحو نقاءالطهر، يترقرق فيها بريق الدمع الثائر، وتتكسر في مهجها العبرات الحرى ، وغصّة ألمٍ ما زال ينخر من ألفٍ ونيف في أفئدتها... فتطفق صارخة بلوعة الحزن وتوجعات الأسى :
ان حالت دون نصرتك الدهور، ومنع عن اجابة استنصارك حكم المقدور فلنبكينك بدل الدمع دما0
ارواح خضر تقصد مشهده القدسي، كحمامات الحضرة الرمادية وهي تطلق للمدى هديلها الحزين وتنوح لاعنة اولئك القتلة وإمتداداتهم على مرّ الأيام ... بل وكل من شايعهم وبايعهم ورضي عن شنيع فعلتهم بسره وعلانيته الى يوم الدين...فتتوغل تلك الارواح في سديم الطهر تجوب سرادق عالمه المسكون بغليانات تكبيرات دمه المفسوح ظلما، والملطخ وجه التاريخ.
خفق اجنحة بيضاء تطير برشاقة زغب الملائكة صاعدة هابطة في مسرى الروح، وتتنقل عبر مكامن الطهر والعفة، وهي تطلب امانا من تشظي الهواجس في لضى حرب الايام عليها، وتمادي عربدة قسوة ما في هذا الانسان.
ارواح قبل الاجساد تلوذ بفيافي ضريحه المقدس، وترقد بإطمئنان في ظل سلام مشهده الشامخ بقبته ومنارتيه الصاعدتان نحو عنان السماء كأيادي متوجه بتوسلها نحو الله، والضارعة بطلبتها صوب واسع رحمته، والمودعة لديه شكواها وبلواها أملاً بخلاص عاجل، والذوبان في نقاء سماوات زرق طاهرة، والتوحد مع ازلية سديم لا متناه ، يومئ أبدا للخلود الأبدي ، وربما الثواب الآجل الكائن خلف رحمة خلق الانسان، واعجاز التسيير لهذي الاكوان فمن ذا الذي اوحى لحمامات الحضرة الرمادية هذه؛ بأن ضريحه المقدس هذا أماناً للخائفين، وحصنه ملاذا للهاربين من ذواتهم صوب الحق ، بل وان تحت خيمته إجابة سؤل كل السائلين0
حشود قلوب بأجنحة بيضاء، نابضة بحرارة الانتماء، يشدّها الشوق إليه، ويكبلها الحنين عن مغادرته ويمنعها عن توديعه، فتهتز خفقاتها بالنبض المتوتر حزنا وتفجعاً على عظم مصيبة بكتها عيون السماوات والأرضين وما بينهما ، وهي ترجو ماءً لظمئها المستفجل وزواداً لجوعها المتفاقم.. بل وتزداد طمعاً بإكسير شفاعته، فتدور.. تدور ولهى حول ضريحه بين حشود الزائرين، لا هجة بعشقها الآسر : يا حسين ... يا حسين ... يا حسين.
إلا أنها لاتزداد إلا جوعا وعطشا كلما اغترفت من معين جوده وكرمه، وعلى العكس من سير نواميس الزمن وقوانينه الجارية في الاشياء، المجرجرة لها صوب النسيان يسطع حضور نهضته وتسمو ثورة كربلاء؛ وكلما تقادمت الدهور والازمان يتوهج الق مبادئها العليا، لانها من اجل اعلاء كلمة الله وكلمة انبياءه ورسله والصالحين من عباده في الارض . السابقون..السابقون0
فخفق افئدة الطائفين حول ضريحه المقدس ، كحمائم ترفرف جواره ، ينعشها عبير جنان الخلد، المشبع بضوع انفاس الملائكة، والرجع البعيد لتكبيرهم وتهليلهم وتسبيحهم بحمد الله، وجزيل نعمائه على العالمين، وهي تنثر مسك تهجدها على اجساد وارواح وافئدة الملبين نداءات النصرة للاخذ بثاراته.
نفوس واله تهوي في حضرة مرابعه الوارفة، كالطيور الجائعة، والظامئة لعيون الماء الرقراقة، تحاول التبرك بتبر ترابه المقدس، العابق بنكهة الفردوس ، فتغمرها ايحاءات القدرة للسكن الابدي في الظل الضليل من الرحمة الالهية الواسعة.
فمن ذا الذي سالم وداعة الحمامات تلك رغم حذرها ، وشدّيد خوفها من غدر الانسان، فدعاها لمزاحمته واللوذ معه جوار الضريح الضاج ابدا بالزائرين، والمكتظ بالطائفين والصاخب بدوي المبتهلين، والمتوسلين بوجاهته عند الله 0
ادعية وتضرعات وقراءات تبرق صوب العلياء وهي تخترق قيود الامكان وتطوي الازمنة.. بل 000 من ذا الذي افشى لها بأن الاشياء كل الاشياء بحضرته ستظل أبدا ناضحة بالاحسان، وان كان هو ذاته في الحالين الانسان ، القاتل والضحية لأخيه الانسان ، فدعاها كي تشاطره الجرح والمأساة ودعوات المحبة والسلام 0
فتهدل وهي ثكلى ، متضرعة بنواحهاالحزين :
اللهم بحق هذا المشهد المعظم والمقام المكرم ان تكف عنا الغوائل بأكف السوء وتفيض على اهلينا بواسع رحمتك، وتحفظهم وتعيد مهجريهم ومهاجريهم الى اوطانهم، وان تحيل بقدرتك حرارة رصاصات الغدر برداً وسلاما على جسد العراق، وان تتغمد بعفوك جراحات ابنائه النازفة التي يبدو انها ستستطيل من نهاية نهاية00الهي لا نرجوك رد القضاء ولكن جنبنا كيد الاخوة الاعداء.والسنة عطشهم المستفحل لمزيد من دمنا البريء0
نفوس امارة بالسوء تغفو في كنف حضوره؛ اغفاءات حالمة لكنها ملبدة بأسمى آيات الصحو، ناثرة لآليء عشقها الازلي تحت خطى المقيمين شعائر الله بأحياء امر اوليائه ، الحاضرون في ازمنة الغياب، بيد انها ابدا ستظل تحلم بذرات تراب لاغير تعلق بها وتتعلق فيها , فتعفر وجهها الكابي بعتمة الآثام كي يسطع في اوج احتدام عتمة الظلام, وكي تقي عاقبتها حاميات السنة النيران وتطفئ اوار لضى جحيم لايمكن ان يطفأ شهيق غضبته إلا عفو الرحمن.
ارواح خضر وحمامات رمادية وقلوب بيض تفترش اديم هذي الارض المقدسة، وتطير كأسراب من الملائكة صوب بريق ذهب المنائر والقباب، وتوهج الالق فيها بزهو التوحيد، فتنشرللريح بزغبها الناعم، تروم الحضوة بذرات غبار فقط, تحط رحالها على اجنحتها الحالمة بغد العدل القادم لا محالة بظهور قائمنا.وكي تنام بين ريشها الموشى بالندى، لتكون جواز مرورها على الصراط وضالتها المنشودة، نافضة الادران عن وجودها الملوث بالآثام ,رغبة بالتطهر من مخلفات المادة الفانية وارجاس الاطماع الارضية، وتراكم اغبرة بهارج آفلة؛ اوج صحوها نوم ، ونومها موت، وموتها عدم.
خفقات حب وهيام تحط احمالها عند ملاذات التعب ، تعب الرحلة الشاقة وعناء السفر الطويل في وهاد الغفلة والنسيان على حافات ليل التيه , منذ وطئت اقدام اول انسان هذي الارض، وغاصت قدماه في لين وعودها وهش اغراءاتها وربقة ملذاتها... بل ومنذ ارتكن الى نفسه واوكل امره الى شيطان هواه.
اجواء مزدحمة ومكتضة بالاجساد، وحافلة بالارواح والحمامات و الملائكة وهي تخفق جميعا بأجنحتها الشفافة، فتظل تطير وتطير00حائمة بطوفانها حول مرقده المقدس وضريحه المطهر وضاربة بخفق اجنحتها, كرايات سلام ومحبة واخاء مرفوفة , تروم السكن الابدي في الظل الضليل للرحمة الواسعة.