- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحسين (ع) وشنشنة ابن المصطلق
بقلم : سامي جواد كاظم
مثل عربي قديم كثير الاستخدام وله قصة مأثورة سأذكرها في نهاية المقال ولكني احببت ان اكتب عن هذا المثل لان الحسين (ع) استخدمه في احدى حوارياته وعلى الجانب الاخر استخدمه اللعين يزيد كذلك فلندخل الى رواية الحسين (ع) اولا تقول الرواية :
روي عن عصام بن المصطلق انّه قال:
دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي عليهِما السَّلام فاعجبني سمته ورواؤه، وأثار من الحسد ماكان يخفيه صدري لأبيه من البغض ، فقلت له : أنت ابن أبي تراب؟
فقال: نعم.
فبالغت في شتمه وشتم أبيه..
فاجابني الحسين (ع) : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.
(خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين* واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انّه سميع عليم *انّ الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون *واخوانهم يمدونهم في الغي ثمّ لا يقصرون).
ثمّ قال لي: خفّض عليك، استغفر الله لي ولك ، انّك لو استعنتنا لا عناك ،ولو استرفدتنا لرفدناك، ولو استرشد تنا لرشدناك.
قال عصام: فتوسم مني الندم على ما فرط مني.
فقال:(لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) أمن أهل الشام أنت؟
قلت :نعم.
فقال: (شنشنة اعرفها من اخزم) حيّانا الله وايّاك، انبسط إلينا في حوائجك،وما يعرض لك تجدني عند افضل ظنك ان شاء الله تعالى )
المدلول العام للرواية واضح وجلي ولا يستحق الى تعقيب الا امر واحد هو تفاسير الايات التي اجاب الحسين (ع) بها الشامي .
في الاية الاولى خذ العفو ... هي نداء كان موجه من الله عز وجل الى نبيه محمد (ص) ان يعفو عمن ظلمه والعرف هو المعروف وكل ما حسن في العقل فعله واعرض عن الجاهلين هو اعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم واما بقية تفسير الايات فكأنه حال لسان الحسين (ع) يقول بانه لا يُمكّن الشيطان منه في الرد على الشاتم وجاء تفسير الاية ان الذين اتقوا بجعل الحسين من المتقين والشاتم من اتباع الشيطان واما اخوان الشاتم هم الشاميين الجهلة منهم والذين هم بمثابة الشياطين الذي ألبوا عقل هذا الشامي على ابي تراب روحي له الفداء وعلى شبليه الحسن والحسين (ع) ، فجاءت هذه الايات وصف وتقريع واستدلال للشامي بماهية اهل البيت عليهم السلام .
وما ان راى الحسين (ع) ملامح الندم على الشامي اعقب كلامه بعد ذكر الايات هو قول (استغفر الله لي ولك ) والمعلوم لدينا ان الحسين (ع) معصوم الا انه من باب مداراة المقابل وتخفيف الصدمة له مما سمع من ايات عن الحسين عليه السلام طلب المغفرة من الله عز وجل له قبل الشامي وهذه قمة التلاطف وحفظ ماء الوجه للمقابل ثم ذكر الحسين (ع) اروع اية تظهر ما هم عليه من قراءة مكامن النفوس التي انعمها الله عز وجل عليهم ومن مثل هكذا مواقف كثيرا ما يتهم السلفيون الشيعة بالمغالاة وادعائهم بان الائمة يعلمون الغيب وهذا تمويه للحقيقة بل ان الائمة لديهم ملكة في قراءة النفوس بل حتى الانسان العادي الذي تصل درجة فراسته الى حد قراءة تصرف بشر معين قبل الاقدام عليه وهذا ما يحصل لدى الكل بل ان الكثيرين منا اذا ما حدث موقف معين يقول والله قلبي علمني ان هذا سيحصل ولكنه لم يبح به وذلك لانه لا يملك تلك الملكة التي يملكها الائمة المعصومين وبدرجة عالية كما يملكها العلماء بدرجة اقل وبعض المؤمنين كذلك .
هنا جاءت المعلومة الثانية للامام الحسين (ع) عندما قال للشامي انك من اهل الشام فهذه دلالة ثانية على تنبوءات الحسين (ع) الصحيحة ، واستشهد بالمثل المعروف ( شنشنة اعرفها من اخزم ) وهذا يعني ان المتحدث تحدث بلهجة قومه لا بلهجته وطالما ان لهجة اهل الشام سب ابي تراب في زمن خليفة المسلمين معاوية فان الشاتم هو من اهل الشام وكان كذلك .
المثل هذا هو الشطر الثاني لبيت من الشعر اما الشطر الاول فكان يزيد هو الكفيل بترجمته عمليا على جسد الحسين (ع) حيث بيت الشعر هو
بنَّي ضَرَّجُونِي بالدَّمِ * شِنْشِنَةٌ أعرفُهَا من أخزم
والذي ضرجوه بالدم هو ابو اخزم من قبل احفاده فلما تجاوزا عليه وضرجوه بالدم وهو ضرير فمن الشنشنة علم انهم ابناء اخزم ولده الذي كان عاقا له فقال هذا البيت الماثور والذي اصبح مثلا .
من المواقف المجتمعة صدفة ان يزيد قال هذا المثل ايضا حيث انه طالما معناه ان التصرف الذي يصدر من شخص ما هو بالاصل كتصرف ذويه بغض النظر عن سلبيته او ايجابيته فان هذا المثل ينطبق عليه .
يحكى ان يزيد اللعين دعا يوماً علي بن الحسين عليهما السلام وعمرو بن الحسن «ع» وكان عمرو غلاماً صغيراً يقال ان عمره احدى عشرة سنة فقال له اتصارع هذا يعني ابنه خالداً فقال له عمرو لا ولكن اعطني سكيناً واعطه سكيناً ثم أقاتله فقال يزيد (شنشنة أعرفها من أخزم . هل تلد الحية الا الحية) . فتصرف عمرو ابن الحسن (ع) هذا جاء على نفس الوتيرة من الاجوبة اللاذعة التي كان ابيه الحسن المجتبى (ع) يجيب بها معاوية