- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عوامل الاتكالية لدى المواطن العراقي
التحولات التي عمت منطقة الشرق الاوسط بعد حركة يوليو تموز 1952 في مصر وما اعقبها من حركات عسكرية في العراق وسوريا والسودان ولبنان وليبيا والجزائر وتحول السياسات الاقتصادية الى اقتصاد رأسمالية الدولة او الاشتراكيات المشوهة التي
جعلت الدولة تسيطر وتهيمن على مجمل وسائل الانتاج. على امل ان تقوم بتوزيعه وفق اسس عادلة تشمل كل مفردات الشعب مما جعل الهيكلية الحكومية تتدخل في كل مفردات الحياة اليومية وبات المواطن ينتظر من الدولة ان توفر له كل متطلباته اليومية من مواد غذائية وخدمية حتى الفلاح بات ينتظر من الدولة ان تهيء له كل متطلبات الزراعة وينتظر منها ان تصلح له الارض وتوفر له الماء والنقل وغير ذلك.. ولما كانت الحكومات دون مستوى الطموح الشعبي وهي حكومات بمجملها عسكرية قصيرة النظر لا تملك الخبرة العلمية ولا الخبرة الاقتصادية وكان جل همها هو البقاء في سدة الحكم باية وسيلة كانت وتوفير الحماية والاسناد لديمومة بقائها واستمرارها حتى وان تم ذلك على خراب البلد وتدميره. من هنا برزت ناحية مهمة في اخلاقيات المجتمع العراقي وهي الاتكالية والتخلي عن فكرة المبادرة والابداع والمساهمة الفعالة التي يحتاجها الوطن من المواطن والجماعات. لقد اصبحت تربية الاعتماد على الدولة في كل مفاصل الحياة سلوكاً ونهجاً وعرفاً لايمكن الحياد عنه، واصبح المواطن آلة تنفيذية لاتملك اية قدرة على الخلق والابداع والمساهمة المباشرة في عمل طوعي حتى وان كان لايبتعد عن داره عدة امتار. ان قيام الدولة بوظيفة الراعي الاول والفاعل الاول والاخير يجعل منها دولة انفاق غير محدودة مع علمنا ان المورد الاساس للحكومة هو الريع النفطي وقيام الدولة بانفاق جل الناتج الوطني المتأتي منه مما يزيد من تدمير الاقتصاد وزيادة التضخم وضيق مجالات فرص العمل..نحن نرى ونسمع كل يوم شكاوى مختلفة من بقاع عديدة من الوطن تشكو الاهمال من الخدمات، من ذلك على سبيل المثال ظهور منطقة في جنوب العراق لاتملك جسراً صغيراً لايتجاوز العشرة امتار مما جعل المواطنين يعبرون على اسلاك معلقة كما في السيرك. ان هذا الاتكال على الدولة في بقعة زراعية نائية خير دليل على الاتكالية الكلية على الدولة وعدم استطاعة اهل المنطقة من اقامة جسر من جذوع النخيل المتوفرة هناك ولو انهم نزعوا فكرة الاتكالية من اذهانهم واعتمدوا على قدراتهم وما هو متوفر ومساعدة بعضهم البعض. ومثال اخر هو مدرسة سقوفها ترشح المياه ولا يستطيع الاطفال من الوصول الى مقاعدهم وينتظرون من الدولة ان تأتي وترمم السقوف المبنية من السعف والطين. وتركوا اطفالهم يعانون ما يعانونه من مياه الامطار ولو انهم بادروا الى تغطية هذه السقوف بالطين المتوفر في المنطقة بحملة جماعية لما احتاجوا الى الدولة ووفروا لاطفالهم مكاناً دراسياً لائقاً.. هذه نماذج بسيطة وقد تمتدالمطالب الى البطالة التي تضرب اطنابها في ارجاء المجتمع ولو قامت الدولة بالمساهمة في اشراك المجتمع وذلك بانشاء شركات مختلطة وطرحت اسهمها للمواطنين لاستطاعت ان تشرك الشعب بالعملية الاقتصادية. هذه الشركات التي تخدم الحركة الانمائية وتشغل آلاف الايدي العاطلة وتعود بمردودات مادية للاسر المساهمة والافراد وتلغي هيمنة الدولة وتكون بادرة لتشجيع القطاع الخاص بالاعتماد على نفسه في انشاء مشاريع انتاجية تعوض السوق من الاستيراد غير المبرمج والمنفذ الذي قضى على مجمل الصناعات المحلية وترك الالاف من الصناعيين والحرفيين دون عمل.ان السياسات الحكومية الابوية السابقة اثبتت فشلها واثبتت هدرها المروع لكل الموارد الاقتصادية وعدم مساهمتها في تطوير البنية الاقتصادية.. والدليل هو مقدار الديون التي اورثتها تلك الحكومات والتي تثقل كاهل الشعب العراقي وعدم وجود مؤسسات اقتصادية راسخة يمكن الاعتماد عليها ولولا المردود المالي النفطي، لاصبح العراق من افقر دول العالم.. وعندما نطلق لفظة الاتكالية على سلوك المجتمع العراقي فلا يعني ذلك ان الذنب يكمن في تركيبة الشعب العراقي ونفسيته مطلقاً، فلو عدنا بالتاريخ الى بدايات الحكم الوطني اي عشرينيات القرن الماضي وعندما كانت الدولة تعتمد في مجمل حراكها الاقتصادي على الناتج الشعبي من زراعة ومهن وصناعات بسيطة، كان المجتمع لايعتمد على الدولة الا في حالة توفير الامن والاستقرار انما بقية مفاصل الحياة كان يسيرها المزارعون والحرفيون والتجار، حتى ظهور النفط وتسيده المساحة الاقتصادية وهيمنة الدولة على مردوداته المالية. وكان المواطن في الريف وفي المدينة لاينتظر الكثير من الدولة لكي يستمر في حياته اليومية، بل يبادر الى التكيف مع الواقع في كل مجرياته سواء في مجال الخدمات كالنقل والتجارة والصناعة.ان المسؤوليةالتي اسست لهذه الاتكالية تقع بالدرجة الاولى على الدولة بتركيبتها المهيمنة المسيطرة التي جمعت بيدها كل الخيوط وجعلت المجتمع اشبه بدمى متحركة بحجة الحرص الابوي الحاكم والمسير لكل مفاصل الحياة.. والتي جعلت المواطن يفقد ثقته بنفسه ويترك مقاليد اموره ومصيره للدولة الحاكمة واتخذ جانب السلبية في سلوكه اليومي.الدولة هي التي توفر الرواتب والمساكن والمدارس والمستشفيات والنقل والكهرباء والماء وهي التي توجه المواطن في كل اموره، وتحددحراكه وسكناه وحتى تفكيره وميوله ومن يخرج عن هذه الاجندة يعتبر مارقاً قد يدفع حياته ثمناً لهذا الخروج عن الطوق..اننا اليوم امام واقع يجب التفكير بعمق لتغييره، هذا الواقع هو ابتعاد المواطن عن المشاركة الفعلية في عملية البناء والاعمار، وعلى الدولة الديمقراطية ان تساهم بجدية في اشراك المواطنين بصورة فعلية وعدم التفرد في تحمل المسؤولية
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي