RSS
2025-12-31 18:19:49

ابحث في الموقع

2026.. عامُ الدَّولةِ

2026.. عامُ الدَّولةِ
بقلم: نزار حيدر

نبدأُ العامَ الجديدِ بالتَّزامنِ مع ذكرى مَولدِ أَميرِ المُؤمنِينَ الإِمام علي بن أَبي طالبٍ (ع) في [١٣] رجَبِ الأَصبِّ، والذي وصفَ علاقَتهُ برسولِ الله (ص) بقَولهِ {وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ، ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (ص) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ}.

  ومن الإِنصافِ جدّاً، إِذا أَردنا أَن نُعنوِنَ العامَ الجَديدِ بعامِ الدَّولةِ، أَن نستلهِمَ العناصرَ والأُسُس والمُقوِّمات المطلُوبة لبناءِ الدَّولة التي تمرُّ في بلدِنا بأَزمةٍ خانقةٍ، من نهجِ الإِمامِ وسيرتهِ ورُؤيتهِ.

  فما هي أُسس الدَّولة في نهجِ الإِمامِ (ع)؟!.

  ١/ العلمُ، فالدَّولةُ لا تُبنى بالجهلِ والخُرافةِ، كما أَنَّها لا تتأَسَّس على الفَوضى والتي هي عكس الرَّؤية الإِستراتيجيَّة والتَّخطيط.

  يوصي أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) مالك الأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {وأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ ومُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْه أَمْرُ بِلَادِكَ وإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِه النَّاسُ قَبْلَكَ}.

  وليسَ المقصودُ بالعُلماءِ هُنا عُلماء الدِّين والشَّريعة فحسب، أَبداً، وإِنَّما المقصُودُ أَعمُّ من ذلكَ وأَوسع، فالدَّولةُ، كما هو معلومٌ، بحاجةٍ إِلى بابٍ من أَبوابِ العلمِ في كُلِّ حركةٍ وسكنَةٍ، ولا شيءَ ليسَ فيهِ بابٌ من أَبوابِ العلمِ، والتي قدَّرها أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بمليُونِ بابٍ كما وردَ في قولهِ المشهُور {إِنَّ رسولَ الله (ص) علَّمني أَلفَ بابٍ من العلمِ يفتحُ كُلَّ بابٍ أَلفَ بابٍ}.

  وكذلكَ قولُ الصَّادقِ جعفر بن محمَّد (ع) {لا يستغني أَهلُ كُلَّ بلدٍ عن ثلاثةٍ يُفزَعُ إِليهِ في أَمرِ دُنياهُم وآخِرتهُم، فإِن عُدِمُوا ذلكَ كانُوا همجاً؛ فقيهٌ عالِمٌ ورِعٌ، وأَميرٌ خَيرٌ مُطاعٌ وطبيبٌ بصيرٌ ثِقةٌ}.

  فإِذا رأَيتَ دولةً يقودُها الجهَلة والأُميُّونَ ويدِيرُ شؤُونها الحَمقى و [يُخطِّط] لها الصِّبيان فتأَكَّد بأَنَّ الله تعالى لا يُريدُ بها خَيراً فحظرَ عليها العِلم، كما يحظَر الله تعالى العلمَ على عبدٍ يُريدُ إِذلالهُ!.

  يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {إِذَا أَرْذَلَ اللَّه عَبْداً حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ}.

  ٢/ الإِنسانيَّةُ، فالدَّولةُ السَّبُعيَّة التي تغتنِم كُلَّ فُرصةٍ لتنهشَ من قوتِ الرعيَّة وتسرِق لُقمةَ عيشهِم وتنتهِك حقوقهِم وتتجاهَل واجباتَها وتُضخِّم حقوقِها وتتجاوَز على فُرصِ الخَيرِ من خلالِ احتكارِها لأَبناء الذَّوات فقط، مثلاً، هيَ ليسَت بدَولةٍ وإِنَّما هيَ عِصابةٌ مسلَّحةٌ تسطُو على البلادِ وخيراتِها وتتسلَّط بحاضرِها وتعبث بمُستقبلِها.

  يوصي أميرُ المؤمنِينَ (ع) مالِكاً الأَشتر في عهدهِ إِليهِ {وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.

  ٣/ المُواطنةُ هي المِعيار الأَوَّل والأَخير في علاقةِ الدَّولة بالرعيَّة، لأَنَّ أَيَّ معيارٍ آخر يُنتِج التَّمييز ويُؤَسِّس للظُّلمِ ويُلغي العدالةَ والمُساواة، وذلكَ لسببٍ بسيطٍ جدّاً وجَوهَري، أَلا وهوَ؛

  إِنَّ المُواطنةَ تُؤَسِّس للتَّنافس الحقيقي في الدَّولة، والذي يعتمِد المعايير المُكتسبَة التي يتنافَس عليها النَّاس للحصُولِ على الفُرصةِ، كالعلمِ والمعرفةِ والخبرةِ والتَّجربةِ والنَّزاهةِ والقُدرةِ على الإِلتزامِ بأَخلاقيَّاتِ العملِ والإِنجازِ والنَّجاحِ وغيرِها، أَمَّا غيرَها من العناوينِ الأُخرى فتعتمِد على معاييرَ غَير مُكتسبَة لا دخلَ للمرءِ بِها، كالدِّينِ والمذهبِ والعُنصرِ والجنسِ والعشيرةِ وغيرِها، ولذلكَ فإِنَّ أَيَّ معيارٍ آخر غَير المُواطنة لا يُؤَسِّس للدَّولة العصريَّة العادِلة أَبداً.

  يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {ولَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ وأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَه}.

  ويقولُ (ع) {قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُه}

  ولقد قالَ السيِّد الشَّريف الرَّضي عن هذهِ العِبارة [وهيَ الكلِمةُ التي لا تُصابُ لها قِيمةٌ ولا توزَنُ بها حِكمةٌ ولا تُقرَنُ إِليها كلِمةٌ].

  أَمَّا الجاحظُ في كتابهِ [البيانُ والتَّبيينُ] فقد وصفَها في الصفحةِ [٥٨] بما يلي [فلَو لم نقِف من هذا الكتابِ إِلَّا على هذهِ الكلِمة لوجَدناها كافيةً شافيةً، ومُجزيةً مُغنيةً، بل لوجَدناها فاضِلةً على الكِفايةِ، وغَير مُقصِّرة عنِ الغايةِ].

  ٤/ الأُمَّةُ هي مصدَر السُّلطة وأَنَّ شرعيَّة الحاكِم يستمدَّها من الشَّعبِ حصراً فالحاكميَّةُ ليسَت قميصاً يُقمِّصهُ الله تعالى مَن يشاءُ من عبادهِ، وأَنَّ الحاكِم لا يُمثِّل ظلَّ الله في الأَرض ولا هوَ نِصفُ إِلهٍ أَو وكيلُ السَّماء، كما يُسوِّقُ إِلى هذهِ المعاني الطُّغاة والمُستبدِّينَ والظَّلمَة على مرِّ التَّاريخِ لشرعنةِ التحكُّم في رقابِ النَّاسِ ودمائهِم وأَعراضهِم وتضليلهِم لسرقةِ حياتهِم وحريَّتهِم وخيراتِ بلادهِم، ولتجريمِ النَّقدِ والخِلافِ والمُساءلةِ والمُحاسبةِ وإِزاحةِ المسؤُول عن محلِّهِ إِذا اقتضى الواجِبُ الوطني المسنُود بالأَغلبيَّة.

  ويجبُ أَن تتمظهرَ إِرادة الأُمَّة وحاكميَّتها بشكلٍ واضحٍ وشفَّافٍ من دونِ تزويرٍ وتضليلٍ أَو بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ.

  يصفُها أَميرُ المُؤمنِينَ(ع) بقولهِ {فَمَا رَاعَنِي إِلَّا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ}.

  وفي وصفهِ لها (ع) {فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَادِهَا تَقُولُونَ؛ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا ونَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا}.

  وقَولهُ (ع) {وبَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ ولَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ}.

  ٥/ والشرعيَّةُ حقوقٌ وواجباتٌ مُتبادلة بين الحاكمِ والمحكومِ، وبينَ السَّلطةِ والشَّعبِ، ومِعيارُها الإِنجاز والنَّجاح وليسَ الشِّعارات والبرامِج الفارِغة والمشاريع الزئبقيَّة والنَّجاحات "الفيسبوكيَّة" والوعُود المعسُولة التي لا تقبِض منها الأُمَّة حقاً ولا باطِلاً.

  كتبَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) إِلى أُمرائهِ على الجيشِ {مِنْ عَبْدِ اللَّه عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ؛ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ ولَا طَوْلٌ خُصَّ بِه وأَنْ يَزِيدَه مَا قَسَمَ اللَّه لَه مِنْ نِعَمِه دُنُوّاً مِنْ عِبَادِه وعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِه.

  أَلَا وإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلَّا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي حَرْبٍ ولَا أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلَّا فِي حُكْمٍ ولَا أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّه ولَا أَقِفَ بِه دُونَ مَقْطَعِه وأَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّه عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ ولِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ وأَلَّا تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ ولَا تُفَرِّطُوا فِي صَلَاحٍ وأَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اعْوَجَّ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعْظِمُ لَه الْعُقُوبَةَ ولَا يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وأَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللَّه بِه أَمْرَكُمْ والسَّلَامُ}.

  ويقُولُ (ع) في خُطبةٍ لهُ {فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّه سُبْحَانَه وإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِه الْجَبَابِرَةُ ولَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِه عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ ولَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ}.

  وهوَ أَوَّل حاكِم حدَّدَ في أَوَّلِ خُطبةٍ لهُ طبيعة الحقوق والواجِبات والمُتبادَلة بينَ السُّلطةِ والشَّعبِ بقَولهِ (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ؛ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا، وأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ والنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ والإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ}.

  فالسُّلطةُ مسؤُوليَّةٌ وليست أَثرَة {إِسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الأَثَرَةَ} كما يقُولُ (ع).

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كلمات مفتاحية
التعليقات

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!