وتُظهر البيانات الرسمية للمفوضية صورة مركّبة لتراجع تأثير الأصوات النسوية المباشرة داخل المجلس، إذ انخفض عدد النائبات في الدورة السادسة إلى 84 مقارنة بـ95 في الدورة الماضية (تناقص بنحو 11.5%)، فيما تراجع الفوز المباشر من 53 مرشحة إلى 25 فقط، وهي نسبة تهبط إلى أقل من النصف خلال أربع سنوات.
في المقابل، ارتفع عدد النساء اللواتي وصلن عبر الكوتا إلى 59 مقعداً، ما يؤشر انتقالاً واضحاً من تمثيل قائم على ثقة الناخبين إلى تمثيل تُعيد تشكيله القوائم الحزبية وتوازناتها الداخلية. هذا التحول يؤشر تغيراً في بنية التصويت نفسها، بعدما فقدت المرشحات فرصة بناء قواعد محلية صغيرة كانت تمنحهن فرصاً أكبر في النظام السابق.
صعود القرار الحزبي
وفي هذا السياق، تقول النائب السابقة ريزان شيخ دلير، إن “التراجع في عدد النساء اللواتي فزن بأصواتهن المباشرة يمثل مؤشراً خطيراً على طبيعة المنافسة الحالية، إذ كان نظام الدوائر المتعددة أكثر قدرة على إبراز المرشحات داخل مجتمعاتهن المحلية، وهو ما سمح بوصول عدد كبير منهن في دورة 2021”.
وتضيف شيخ دلير، أن “الأحزاب اضطرت وقتها إلى الدفع بمرشحات يمتلكن تأثيراً حقيقياً نتيجة طبيعة الدوائر، أما اليوم فقد عاد القرار إلى مركز الحزب بعد أن أصبحت المحافظة دائرة واحدة، الأمر الذي أدى إلى انكماش فرص المستقلات وتراجع الحضور النسوي المؤثر”.
وتشير إلى أن “نتائج الانتخابات الأخيرة كشفت تراجعاً واضحاً حتى في المناطق التي كانت تُعد أكثر انفتاحاً، مثل السليمانية التي فازت فيها مرشحة واحدة فقط رغم أن المحافظة تضم خمسة مقاعد مخصصة للنساء”.
وبرغم توسع الحضور العددي للنساء داخل العملية الانتخابية، إلا أن المؤشرات تدلل على تغير طبيعة المنافسة بصورة عميقة، وانتقال مركز الثقل من التصويت الشعبي إلى آليات الضبط الحزبي.
وشهدت الانتخابات الأخيرة مشاركة أكثر من 2248 مرشحة، وهو رقم يؤشر رغبة واسعة في دخول النساء إلى السباق السياسي، إلا أن النتيجة النهائية اقتصرت على 84 مقعداً فقط، معظمها جاء عبر الكوتا.
تحالفات العشائر والمناطق
بدورها، ترى الناشطة الحقوقية والسياسية، أنوار الخفاجي، أن “التراجع الحاصل في الفوز المباشر يؤشر تبدلاً واضحاً في البيئة الانتخابية، فالمنافسة داخل دائرة واسعة تقلل قدرة النساء على الوصول إلى جمهورهن وتزيد من تأثير التحالفات العشائرية والمناطقية التي غالباً ما تفضل مرشحين يتمتعون بدعم شبكات تقليدية”.
وتوضح أن “المرشحات اللواتي يفزن بأصواتهن يمتلكن عادة قاعدة جماهيرية أكثر تماسكاً تؤهلهن للعب دور أكبر داخل المجلس، بينما الاعتماد الواسع على الكوتا يجعل كثيراً من المقاعد النسوية مرتبطة بقرارات حزبية لا بالتصويت الشعبي، وهو ما يقلل من استقلالية النائبات وقدرتهن على المبادرة السياسية”.
وتبيّن الناشطة الحقوقية والسياسية، أن “اتساع الفجوة بين التمثيل القائم على الأصوات والتمثيل المستند إلى الكوتا سيؤثر على فعالية المرأة في الدورة البرلمانية المقبلة ويضعف قدرتها على الدفاع عن قضاياها”.
ورأى مختصون أن هذه التحديات تعكس فجوة أعمق بين كثافة الترشح النسوي وبين محدودية التمثيل الفعلي داخل البرلمان، إذ لا تزال البيئة الاجتماعية التقليدية تؤثر بشكل مباشر في خيارات الناخبين، ولا يزال حضور المرأة في سوق العمل والتعليم والمجتمع المدني أقل بكثير من حضورها في قوائم المرشحين.
وتُثار تساؤلات عن طبيعة هذا التفاوت الذي قد يُنتج تمثيلاً سياسياً لا يستند بالكامل إلى قاعدة اجتماعية قوية، ما يجعل كثيراً من الأصوات النسوية غير قادرة على تحويل وجودها داخل البرلمان إلى تأثير تشريعي أو رقابي ملموس.
منظومة اجتماعية وثقافية
وفي هذا الاتجاه، تجد الباحثة والأكاديمية بسمة الأوقاتي، أن “ضعف التمثيل النسوي الفعلي لا يرتبط بالانتخابات وحدها، بل بمنظومة اجتماعية وثقافية ما تزال عميقة الجذور وتؤثر في موقع المرأة داخل الحياة العامة”.
وتبين الأوقاتي، أن “مؤشرات التعليم والعمل والمشاركة المدنية تكشف فجوات واسعة بين الرجال والنساء، وهذه الفوارق تنعكس مباشرة على خيارات الناخبين”، مشيرة إلى أن “البيئة السياسية الحالية أعادت تمكين القوى الحزبية التقليدية على حساب الحضور الفردي الذي ظهر بعد احتجاجات تشرين، وهو ما يفسر انخفاض عدد الفائزات بأصواتهن رغم وصول أكثر من 2000 مرشحة إلى السباق”.
وتؤكد أن “الاعتماد على الكوتا ضروري لضمان الحضور العددي، لكنه لا يخلق تمكيناً حقيقياً ما لم تتوفر بيئة اجتماعية وسياسية قادرة على دعم النساء في بناء قواعدهن الشعبية”.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!