ينفرد الدستور العراقي بمسألة غريبة لا وجود لها في كل دساتير العالم، وهي مسألة الفائز في الانتخابات، ودوره في تشكيل الحكومة وتسمية المكلف بتشكيل الحكومة. فالدستور العراقي في المادة 76 منه، على قيام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة خلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
هذه المادة الدستورية سببت أزمات دستورية وسياسية كبيرة ولازالت، منذ أن تم تفسيرها من قبل المحكمة الاتحادية ولغاية اليوم.
الأزمة التي بدأت منتفخة في عام 2010 عندما دبّ خلاف بين كتلة المالكي التي حلت بالمركز الثاني في الانتخابات وكتلة إياد علاوي التي فازت بأكبر من المقاعد داخل مجلس النواب، حول أحقية الكتلة التي ستتولى تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر عددا بتشكيل الحكومة، إياد علاوي يرى بأن على رئيس الجمهورية تكليفه بتشكيل الحكومة، كون كتلته حصلت على أكبر عدد من المقاعد داخل مجلس النواب، وهي الكتلة الفائزة بالانتخابات، المالكي، يرى أن هو صاحب هذا الحق، لأنه ومن خلال تحالفاته داخل مجلس النواب، تمكن من تشكيل كتلة نيابية يفوق عددها عدد الكتلة التي فازت في الانتخابات.
الدستور بدوره يحيل الخلافات في هكذا مسائل الى المحكمة الاتحادية العليا التي قررت أن الكتلة النيابية الأكبر عددا ليست صاحبة الحق بتشكيل الحكومة، وإنما الكتلة التي تشكلت داخل مجلس النواب، وهذه من حقها أن ترشح لرئاسة مجلس الوزراء أي شخصية حتى لو حصلت كتلته على مقعد واحد في الانتخابات!
لذلك استمرت أزمة تسمية الكتلة النيابية الأكثر عددا، في جميع الدورات الانتخابية وأخذ النقاش والجدل حول الكتلة النيابية الأكثر عددا وقتا طويلا أدى الى تجاوز المدد الدستورية التي وضعها الدستور لتسمية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا أو للتصويت على الكابينة الوزارية التي بعد تسمية المكلف بتشكيل الحكومة.
ورغم أن النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا يؤكد أن للمحكمة الحق في العدول عن قرارتها السابقة وفق شروط معينة، متى ما رأت وجود ضرورة لذلك العدول، إلا أن قرارها المرقم 25 لسنة 2010 في 25/3/2010 لم يتم العدول عنه لحد الآن، ويبدو أن الظروف السياسية والدستورية التي دعت المحكمة الاتحادية العليا الى إصدارها قرارها لازالت كما هي، رغم تغير الحكومات وتغيير قانون المحكمة الاتحادية نفسها وتغيير رؤسائها أكثر من مرة.
ويبدو أن هذا القرار، راعى بشكل كبير الظروف العامة للعلمية السياسية، وأعني بالظروف هي التوافق والمحاصصة بين الكتل والأحزاب وسعيها الى تغليب النزعة الطائفية والمكوناتية للعملية السياسية برمتها.
واليوم، ولغاية الآن، يبدو أن المشهد السياسي وتحديدا ما يخص الكتلة الأكبر يشهد جوا أقرب ما يكون الى الصحو منه الى الضباب، فالإطار التنسيقي قد اجتمع بكامل أعضائه، وأعلن نفسه الكتلة النيابية الأكثر عددا التي ستتولى تسمية المرشح لرئاسة مجلس الوزراء. لكن التكهنات بمصير اسم الكتلة يحدده الزمن، خصوصا وأن هنالك خلافات بين مكونات الإطار لم تطفو على السطح بعد، قد تضع العصا بعجلة الكتلة الأكبر، وهو أمر متوقع في ظل الوضع العام المليء بالمفاجآت!
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!