ابحث في الموقع

العراق.. ملوحة غير مسبوقة في المثنى تهدّد الزراعة وتدفع إلى الهجرة

العراق.. ملوحة غير مسبوقة في المثنى تهدّد الزراعة وتدفع إلى الهجرة
العراق.. ملوحة غير مسبوقة في المثنى تهدّد الزراعة وتدفع إلى الهجرة
تشهد محافظة المثنى أزمة مائية وبيئية غير مسبوقة، بعد أن ارتفعت نسبة الملوحة في مياه نهر الفرات إلى نحو 3000 جزء في المليون، أي ما يعادل وجود ثلاثة غرامات من الأملاح في كل لتر ماء، وهي نسبة تفوق الحدّ الآمن للاستخدام البشري الذي لا ينبغي أن يتجاوز 1000 جزء في المليون، وفقاً للمعايير البيئية المعتمدة.

وجعل هذا الارتفاع الحاد في الملوحة والمتغيرات الكيميائية والبيولوجية المياه غير صالحة للشرب أو الزراعة، وتسبب في تراجع إنتاج مشاريع الإسالة التي تعمل حالياً بنصف طاقتها التشغيلية بسبب انخفاض منسوب نهر الرميثة إلى مستويات حرجة.

وعلى الصعيد الزراعي، سجّلت المحافظة خسارة تقدر بنحو 350 ألف دونم من الأراضي المزروعة خلال السنوات الأخيرة، لتنخفض المساحات من 350 ألف دونم إلى 50 ألف دونم فقط في الموسم الماضي، فيما تتوقع الجهات الرسمية أن يتقلص الموسم المقبل إلى أقل من 10 في المائة من المعدل المعتاد نتيجة محدودية الإطلاقات المائية من المنابع.

وتشير تقديرات الخبراء إلى أن استمرار هذه الأزمة قد يؤدي إلى انعدام شبه تام للنشاط الزراعي في مناطق واسعة من بادية السماوة في محافظة المثنى والمناطق القريبة من نهر الفرات.

في المقابل، تؤكد الحكومة المحلية استمرار التنسيق مع وزارة الموارد المائية لضمان حصة عادلة من الإطلاقات، بينما دعت مديرية ماء المثنى المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك بنسبة لا تقل عن 50 في المائة إلى حين تجاوز الأزمة، محذّرةً من أن استمرار ارتفاع الملوحة قد يؤدي إلى تلوث كامل لمنظومة مياه الشرب وازدياد معدلات الهجرة من الأرياف إلى المدن بحثاً عن مصادر بديلة للعيش.

ارتفاع معدلات الملوحة

كشف معاون محافظ المثنى للشؤون الزراعية والموارد المائية يوسف سوادي جبار، عن ارتفاع معدلات ملوحة مياه نهر الفرات إلى نحو ثلاثة آلاف جزء في المليون، موضحاً أن هذا المستوى يجعل المياه غير صالحة للاستخدام البشري، وأن ضعف الإطلاقات المائية القادمة من المنابع يُعدّ السبب الرئيس وراء هذا الارتفاع الكبير في نسب الملوحة والتلوث.

وقال جبار، إن الملوحة والمتغيرات الكيميائية والبيولوجية في مياه النهر وصلت إلى مستويات مقلقة، الأمر الذي أثّر مباشرةً بمشاريع الإسالة في عموم مناطق المحافظة، التي تعمل حالياً بنصف طاقتها الإنتاجية بسبب انخفاض مناسيب نهر الرميثة، أحد الفروع الرئيسة لنهر الفرات.

وأضاف أن الواقع الزراعي تضرر بشدة، إذ تقلّصت المساحات المزروعة من نحو 350 ألف دونم إلى 50 ألف دونم فقط خلال العام الماضي، فيما يُتوقّع أن يتراجع الموسم الزراعي المقبل إلى المستوى الصفر في ظل غياب الخطة الزراعية وضعف الإطلاقات المائية.

وأوضح جبار أن الحكومة المحلية تواصل تنسيقها مع الجهات المركزية لضمان تخصيص حصص مائية عادلة للمحافظة، بما يضمن استمرارية النشاط الزراعي وتقدير حصتها الفعلية من الخطة المقبلة، مع التركيز على زراعة المحاصيل الشتوية التي تتطلب كميات محدودة من المياه.

ودعا جبار الحكومة والجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من آثار الملوحة على مشاريع الإسالة والزراعة، وتعزيز التنسيق مع دول المنبع لضمان إيصال الحصص المائية إلى المحافظات الجنوبية الواقعة على أطراف نهري دجلة والفرات، لتفادي أزمات غذائية محتملة والحفاظ على مصادر رزق المزارعين في المناطق المتضررة من الجفاف.

تهديد مباشر لحياة السكان

من جهته، أكد رئيس فرع اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة المثنى، عواد عطشان، أن أزمة المياه المتفاقمة في المحافظة لم تعد مشكلة موسمية، بل تحولت إلى تهديد مباشر للزراعة ومصدر رزق آلاف العائلات الريفية، بعد أن تراجعت الإطلاقات المائية وارتفعت ملوحة، ما جعل المياه غير صالحة للري أو الاستخدام البشري.

وأوضح عطشان أن النتيجة كانت كارثية على القطاع الزراعي، إذ فقدت مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة خلال السنوات الأخيرة، وتوقف معظم الفلاحين عن زراعة أراضيهم بسبب شح المياه وارتفاع كلفة الإنتاج، فيما باتت مشاريع الإسالة تعمل بنصف طاقتها فقط نتيجة انخفاض منسوب نهر الرميثة.

وأضاف أن تراجع الإنتاج الزراعي وانعدام فرص العمل في الريف دفع مئات العائلات إلى هجرة قراهم نحو المدن بحثاً عن مصادر بديلة للعيش، لتتحول الأزمة من مشكلة زراعية إلى أزمة اجتماعية واقتصادية تهدد استقرار المجتمعات الريفية في عموم مناطق المحافظة.

وبيّن أن استمرار الجفاف وارتفاع الملوحة ينذران بفقدان ما تبقى من الأراضي الخصبة، ما يتطلب تحركاً سريعاً لوضع خطة إنقاذ عاجلة تشمل دعم المزارعين وتعويض المتضررين وتأمين الحصص المائية الكافية لإعادة الحياة إلى المناطق الزراعية التي تشكّل عماد الاقتصاد المحلي للمحافظة.

تراكمات بيئية

من جهته، أوضح الخبير في الشأن المائي والبيئي، جمعة الدراجي، أن ارتفاع ملوحة المياه يُعدّ نتيجة تراكمية لأسباب بيئية وإدارية متشابكة، أبرزها انخفاض الإطلاقات المائية من المنابع، وتراكم النفايات الصناعية ومياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تصب مباشرة في النهر دون رقابة فعالة.

وأشار الدراجي إلى أن مؤشرات التلوث في عدد من مناطق المحافظة ما زالت مرتفعة، بسبب ضعف أنظمة المعالجة والرقابة الحكومية، ما أدى إلى زيادة نسبة الأملاح والمتغيرات الكيميائية والبيولوجية في مياه النهر إلى مستويات تجاوزت الحدود الآمنة للاستخدام البشري والزراعي.

وأضاف أن هذا التلوث لا يقتصر أثره على تراجع نوعية مياه الشرب فحسب، بل يمتد إلى تدهور التربة الزراعية وانخفاض الإنتاج الغذائي، ويزيد من احتمالات انتشار الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، مثل أمراض الجهاز الهضمي والجلدية، الأمر الذي يجعل الأزمة بيئية وصحية واقتصادية في آنٍ واحد.

وأكد الدراجي أن معالجة هذه المشكلة تتطلب خطة حكومية متكاملة تشمل تحسين إدارة الموارد المائية، وإنشاء محطات حديثة لمعالجة مياه الصرف والنفايات الصناعية، وتشديد الرقابة على الأنشطة الملوثة، إلى جانب التعاون مع دول المنبع لضمان تدفق كميات كافية من المياه العذبة تسهم في تقليل الملوحة وإنعاش النظام البيئي في المحافظة.



المصدر: العربي الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!