وأعلن حزب العمال الكردستاني في تركيا، الأحد الماضي، سحب جميع قواته إلى شمال العراق ضمن مسار "تركيا خالية من الإرهاب"، وهي مرحلة جديدة من مراحل حلّ الحزب نفسه وإلقاء سلاحه استجابة لدعوة مؤسسه المسجون عبد الله أوجلان.
واعتبر النائب عن ائتلاف "دولة القانون" عارف الحمامي، الصمت الحكومي، بأنه "مقلق للغاية ويثير التفسيرات"، مبيّناً أن "ذلك يعطي انطباعاً بعدم وجود موقف واضح تجاه التنظيمات المسلحة الأجنبية التي تتخذ من أراضينا ملاذاً آمناً"، محذراً من تحوّل العراق إلى "ساحة بديلة لصراع إقليمي بين أنقرة وحزب العمال، سيجر البلاد إلى مخاطر جسيمة".
من جهته، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي ياسر الحسيني، إنه "من غير المقبول أن تلتزم الحكومة الصمت بينما تتحرك جماعات مسلحة أجنبية على الأرض العراقية وكأنها صاحبة قرار فيها، فحزب العمال الكردستاني تنظيم أجنبي مصنف إرهابياً لدى دول عدة، ووجوده داخل العراق يشكل تهديداً مباشراً لأمننا القومي، ويعطي ذريعة للقوات التركية للتوغل والاعتداء على أراضينا بحجة ملاحقته".
وتشير أوساط عراقية إلى أن انتقال مقاتلي حزب العمال إلى العراق يحمل مخاطر على الأمن القومي العراقي، خاصة وأن الحزب لم يتخلَ بشكل نهائي عن فكرة العمل المسلح، ورهن ذلك بتنفيذ باقي مراحل وبنود الاتفاق بينه وبين أنقرة، كما أن الكثير من القراءات تتوقع انشقاق مجاميع من العمال وتشكيلهم مجاميع مسلحة مستقلة داخل العراق.
وفي السياق، رأى عضو في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أن الانسحاب يحمل في طياته الكثير من المخاطر على الأمن القومي العراقي، محذراً من إمكانية فشل الاتفاق بين تركيا والحزب، وتحول الأخير إلى مجاميع مسلحة لا تقدر الدولة العراقية على مواجهتها وطردها.
وقال النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "لجنة الأمن والدفاع البرلمانية لا علم لها أصلاً بانسحاب مقاتلي حزب العمال إلى داخل الأراضي العراقية، ولم تبلغهم الحكومة العراقية بذلك"، مبيناً أن "حكومة بغداد على دراية بعملية الانسحاب التي تمت مسبقاً، وفقاً لترتيب بين أنقرة والحكومة وبالتوافق مع حزب العمال".
واعتبر أن هذا الحدث لم يأخذ صداه في الأوساط الرسمية العراقية بسبب انشغال الجميع بالدعاية الانتخابية، والتحضير للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها الشهر المقبل.
من جهته، أكد الباحث السياسي العراقي غانم العابد أن هذا الخطر متوقع منذ أن اتفق حزب العمال مع الحكومة التركية على جعل تركيا خالية من الإرهاب، والسبب هو إهمال الحكومة العراقية من جهة، ومحاولة الفصائل المسلحة في العراق الاستفادة من حزب العمال في سنجار وقنديل، للضغط على كل من تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل.
وقال العابد، إن "الحكومة العراقية لم تهتم بالاتفاق بين حزب العمال والحكومة التركية، ولم تحاول سابقاً الاستعانة بتركيا لبسط سيطرتها على سنجار، بل أبقت هذه الملفات مفتوحة حتى أنهت تركيا مشكلتها وأصبح الملف خطراً على العراق فقط".
وأضاف أن "سورية بدأت بالاستعانة بالولايات المتحدة للضغط السياسي وتركيا للضغط العسكري لمعالجة ملف حزب العمال، عكس العراق الذي تغلب عليه الصراعات الداخلية السياسية وخلافات القوى الشيعية الحاكمة مع الأحزاب الكردية أو مع العرب السنة".
إلى ذلك، رأى الخبير العسكري العراقي أحمد الشريفي، أن "موافقة الحكومة على انسحاب مقاتلي حزب العمال ودخولهم الأراضي العراقية أمر خاطئ، لأن استيعاب هكذا مجاميع لا بد له من مبررات، فيما لا توجد أي مبررات لهذا الاستيعاب".
وأضاف أن "تركيا عاجلت الأزمة ونجحت في ذلك عبر ترحيل المشكلة إلى العراق"، مشيراً إلى أن هذا الانتقال لن ينهي الأزمة، بل سيبقيها، لاسيما وأنه لا توجد هناك ضمانات لعدم حمل السلاح من هؤلاء المقاتلين مرة أخرى، فيما حذر من أن أي انهيار في المفاوضات والاتفاق بين الجانب التركي وحزب العمال سيجعل من مقاتلي الحزب الوافدين للعراق حملة سلاح مجدداً، وسيتخذون من العراق منطلقاً لاستهداف تركيا، مما يعطي تركيا الذريعة للبقاء داخل العراق، وربما التقدم نحو مناطق أخرى مثل كركوك بحجة حماية التركمان.
ولفت إلى أن السوداني كان يفترض به أن يراجع هذا الموضوع مع الحليف الاستراتيجي للعراق، وهو الولايات المتحدة، قبل الموافقة على السماح بعبور مقاتلي العمال الكردستاني إلى الأراضي العراقية.
وعلى الصعيد الكردي، لم يصدر أي موقف أو تعليق من رئاسة إقليم كردستان أو حكومة الإقليم على ما جرى من انسحاب لعناصر حزب العمال إلى العراق، لكن المحلل السياسي المقرب من الحزب الديمقراطي الحاكم في أربيل محمد زنكنة لا يخفي تخوفه من تطورات هذا الموضوع وتداعياته، محمّلاً حكومة بغداد المسؤولية الكاملة لعجزها عن فرض أي حل لمشكلة حزب العمال، أو الوجود التركي على الأراضي العراقية.
وقال زنكنة، إن "الانسحاب خطوة بدائية إعلامية معنوية، لا علاقة لها بالخطوات المتقدمة لتنفيذ بنود عملية السلام، وقد تكون مجرد خطوة لإثبات حسن النية من قبل حزب العمال أمام الحكومة التركية"، وبيّن أن الإقليم عانى من الصراع بين تركيا وحزب العمال، فالكثير من القرى والمدن تأثرت بسبب القصف التركي المستمر على معاقل حزب العمال، وتصل الخسائر في المناطق الحدودية والتي أخليت من سكانها بسبب هذه الظروف إلى ملايين الدولارات، مما أدى الى حرمان أهالي هذه المناطق من المشاريع.
وأشار إلى أن ما يثير مخاوف الإقليم، هو وجود تحركات تمردية ضد رسالة ومطالب زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان بإحلال السلام في المنطقة وخصوصاً من قبل التيار المتشدد الذي يترأسه جميل بايك، بينما الإقليم أصلاً في أزمة كبيرة لمجرد وجود حزب العمال في زاخو وحاج عمران وقنديل، لافتاً إلى أنه كان حريا بحزب العمال أن يسحب قواته من الإقليم، ويفرغ أراضي الإقليم من مقاتلي حزب العمال لأن عددهم في تركيا محدود جداً.
وحذر زنكنة من أن التداعيات السلبية من الممكن أن تظهر من خلال تنفيذ البنود المتفق عليها في إطار عملية السلام، بين أنقرة والعمال الكردستاني، في حال لم يلتزم أي من الطرفين بما تم الاتفاق عليه.
التعليقات (1)
كيف استلام النفط