ابحث في الموقع

الحماية القانونية للضحايا في التشريعات الوطنية.. قانون الناجيات الايزيديات أنموذجا

الحماية القانونية للضحايا في التشريعات الوطنية.. قانون الناجيات الايزيديات أنموذجا
الحماية القانونية للضحايا في التشريعات الوطنية.. قانون الناجيات الايزيديات أنموذجا

بقلم: القاضي ناصر عمران

جاء في أدبيات المحاكم الدولية الخاصة بيوغسلافيا ورواندا عبارة تلامس كثيرا شغاف القلوب المكلومة وتمنح الضحايا فضاءً من الأمل فليسوا هم من اختار الألم، بل من فرض عليهم أن ينجو منه، والعبارة التي وردت تقول: ان "العدالة ليست فقط أن يعاقب الجاني، بل أن يُسمع صوت الضحية". إن الاستماع الى صوت الضحية من الأمور المهمة جدا التي تساعد على إعادة انتاج الإنسانية في كيان الضحية الذات قبل الجسد، فالاستماع ليس شفقة وإنما فعل إيجابي يمنح الضحية القدرة على المواصلة والتحدي ويغذي الكبرياء الذي اهتزت مطامحه وضُربت مروءته بمقتل.

إن استذكار الضحايا من قبل مجلس القضاء الأعلى بمناسبة مرور احد عشر عاما على جريمة الإبادة الجماعية بحق المكون الايزيدي الشريك في الوطن والاخ في الإنسانية، كان اكثر من استماع، لم يتكلم وجع الضحايا بل أختبئ بعيونهم لينجلي المؤتمر المنعقد عن لوحة قضائية مبهرة تؤكد للضحايا أن الوطن معهم، ربما وهن في لحظة زمنية عن حمايتهم ونالهم من الهجمة الإرهابية ما نالهم أسوة ببقية المكونات الأخرى الا أن هذه اللحظة والمرحلة المأساة التي أحدثت الواقعة الأليمة لن تتكرر، وأن العمل على إزالة آثارها يسير على قدم وساق من خلال دعم الضحايا وتأهيلهم ومعالجتهم وتعويضهم والعمل على محاسبة الجناة وتطبيق القصاص العادل بحقهم، ولعل ما جاء في كلمة سيادة رئيس مجلس القضاء الأعلى المحترم الذي وصف ما حدث للمكون الإيزيدي بالجريمة التي أحدثت جرحاً غائراً في قلب الوطن يختصر الكثير من مشاعر الألم الذي أصاب العراقيين بعد ارتكاب هذه الجرائم البشعة.

إن مبادرة استذكار هذه الجريمة من قبل مجلس القضاء الأعلى وتأسيس مركز وطني للتعاون القضائي الدولي لتوثيق جرائم كيان داعش الإرهابي والدفع بمشروع الذاكرة العراقية يعبر بوضوح عن الموقف القضائي من هذه الجريمة، وبالمقابل فان مجلس النواب العراقي اختط بإصدار قانون الناجيات الايزيديات رقم 8 لسنة 2021 علامة صحيحة في منهج الضرورة والحاجة الوطنية لإصدار تشريعات وقوانين تستهدف ضحايا جرائم كيان داعش الإرهابي. لقد حفلت القوانين الإجرائية في التشريعات العراقية في قسمها الجزائي بضمانات قانونية للمتهم ترافقه منذ الاتهام الأول وحتى المحاكمة بل تمتد لتتسع حتى قبل وأثناء وبعد تنفيذ العقوبة وزادت مرحلة التغيير في النظام القانوني العراقي من ضمانات وحقوق المتهم وعلى العكس من ذلك كان دور الضحية في القوانين الإجرائية بصفته مجنى عليه إجراءً تبتدئ به الشكوى وإجراءات التحقيق او استكمالا لها وبالمحصلة النهائية الحصول على التعويض وهي نظرة المشرع التقليدية وكأنما التعويض هو كل ما يحتاجه المجنى عليه إضافة إلى تطبيق العقوبة بحق الجاني، دون التوقف عند وقوع الجريمة وتأثيرها على الضحية الإنسان متجاوزاً المرور بالصدمة التي يتعرض لها الضحية وبخاصة في جرائم بشعة كجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الإرهابي لذلك كان قانون الناجيات الإيزيديات رقم 8 لسنة 2021 الذي أصدره مجلس النواب العراقي علامة فارقة في إنصاف الضحايا والتأكيد على أحقيتهم بالاهتمام والرعاية.

لقد جاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون (تعد الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الايزيديين وباقي المكونات (المسيحيين والتركمان والشبك) جريمة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ونظرا لما افرزته هذه الجرائم من اضرار جسدية ونفسية واجتماعية ومادية على كافة الضحايا خاصة من النساء والأطفال وبغية معالجة هذه الأضرار والآثار السلبية المترتبة عليها ومن اجل منح الحقوق اللازمة للناجيات والمشمولين بأحكام هذا القانون وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع وكجبر للضرر وتعويض لما لحق بهم وبالناجيات منهن على وجه الخصوص وحمايتهم ومناطقهم شرع هذا القانون).

وقد تعرض هذا القانون الى النقد من قبل بعض الأساتذة المختصين في القانون واهم ما تم توجيهه للقانون انه أشار الى جريمة الإبادة الجماعية دون ان يضع لها نصا عقابيا، ويمكن الرد على ذلك ان قانون الناجيات الايزيديات هو قانون مدني وليس قانونا جزائيا وحسنا فعل المشرع العراقي حين منح لهذا القانون خصوصيته كأول قانون مدني يهتم بشكل مباشر بحقوق ضحايا التنظيمات الارهابية كيان داعش متجاوزا القوانين التقليدية التي ترى في حقوق الضحايا بالتعويض هدفا وحيدا لهم، لقد جاء في المادة (4) من القانون يهدف هذا القانون إلى: أولاً: تعويض الناجيات الايزيديات المشمولين بإحكام هذا القانون ماديا ومعنويا وتأمين حياة كريمة لهم. ثانيا : تأهيل ورعاية الناجيات والمشمولين بأحكام القانون واعداد الوسائل الكفيلة لدمجهم في المجتمع ومنع تكرار ما حصل من انتهاكات بحقهم. كما جاء في المادة (5) من القانون تأسيس مديرية عامة لرعاية شؤون الناجيات ترتبط بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومقرها يكون في محافظة نينوى اما المواد ( 5 و6 ) من القانون فقد وضعت اليات تنفيذية ووسائل مباشرة لتحقيق اهداف هذا القانون ماديا ومعنويا وتأهيليا لمرحلة ما بعد الصدمة في حين جاءت المادة (7) لتصف الجريمة التي تعرض لها المكون الايزيدي وباقي المكونات بانها جريمة إبادة جماعية تاركا للوزارات والجهات المختصة العمل على ترسيخ وتنفيذ هذه الرؤية عبر الاعتراف الدولي من جانب والاحالة الى القوانين الجزائية من جانب اخر واعتبار يوم 8 / 3 / من كل سنة يوما وطنيا للتعريف بما وقع على هذا المكون من جرائم بحق الإنسانية كما تم تشكيل لجنة يترأسها قاضٍ يكون مدير عام شؤون الناجيات الايزيديات نائبا له للنظر في طلبات الناجيات الايزيديات والفئات المشمولة الأخرى.

إن إيجاد تشريعات قانونية وطنية متخصصة في الحماية القانونية للضحايا وبخاصة قانون الناجيات الايزيديات جاء انسجاما مع الرؤية القانونية الجديدة التي تعتبر حماية الضحايا مرتكزا إنسانيا مهما في التشريعات الوطنية والدولية تحقيقا للعدالة ضمن مفهوم جديد أشار اليه علم الضحايا الذي يرى بان هناك علاقة بين الضحية والجاني وان هناك آثارا تنجم عن هذه العلاقة ستكون حاضرة في الإجراءات والقرارات القضائية على ان تكون الرعاية والاهتمام وجبر الاضرار مرتكزها واهتمامها.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!