ابحث في الموقع

كيف يُصاغ السلوك العام بين التحفيز والعقوبة ؟

كيف يُصاغ السلوك العام بين التحفيز والعقوبة ؟
كيف يُصاغ السلوك العام بين التحفيز والعقوبة ؟

بقلم: سالم حواس الساعدي - مستشار قانوني واعلامي تخصص دقيق عمليات وحرب نفسية

في ظل تعقيد الواقع العراقي وتراكم الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تبرز الحاجة لفهم سلوك الأفراد والجماعات ليس فقط من منظور قانوني أو إداري، بل أيضًا من منظور نفسي سلوكي. وهنا تفرض نظرية التعلم الإجرائي لسكينر (Skinner’s Operant Conditioning) نفسها كأداة فعّالة لتحليل الواقع، وابتكار حلول قانونية وقضائية واقعية وفعالة.

أولًا: ما هي نظرية سكينر؟
هي نظرية في علم النفس السلوكي وضعها الأمريكي بورهوس فريدريك سكنر، تقوم على مبدأ أن السلوك يُشكّل ويُعاد توجيهه من خلال التعزيز (المكافأة) أو {العقاب} .
• السلوك المدعوم إيجابيًا يتكرر.
• السلوك الذي يُعاقب يتراجع أو ينطفئ.
• الإهمال (غياب الاستجابة) قد يؤدي إلى زوال السلوك بمرور الوقت.

ثانيًا: كيف تنعكس النظرية على الوضع العراقي؟

1. في القانون والنظام:
• المواطن العراقي غالبًا لا يلتزم بالقانون إلا حين يشعر بعقوبة حقيقية أو مكافأة ملموسة.
• الغرامات غير المفعّلة، أو الأحكام غير المنفّذة، جعلت سلوك المخالفة أكثر شيوعًا، بسبب غياب العقاب الفعلي (عقوبة غائبة = تعزيز سلبي للتجاوز).
• في المقابل، عدم مكافأة الملتزمين بالقانون (مثلاً: لا امتياز لمن يدفع الضرائب بانتظام) يجعل الالتزام القانوني غير محفّز سلوكيًا.

2. في الفساد الإداري والقضائي:
• الموظف المرتشي لم يُردعه قانون، بل ربما عزّز سلوكه غياب الرقابة والردع.
• الإجراء العقابي الانتقائي (عقاب الضعفاء وتجاهل المتنفذين بسبب عدم تنفيذ الاحكام القضائية ) يكافئ سلوك الظلم بدلًا من إطفائه.

ثالثًا: كيف يمكن تطبيق نظرية سكنر عمليًا في العراق؟

1. في المحاكم والقضاء:
• تطوير نظام مكافآت وتحفيز للقضاة والموظفين الذين ينجزون القضايا بعدالة وسرعة.
• توثيق كل العقوبات الجزائية وتطبيقها بدون استثناء، لخلق نظام سلوكي يُخيف المخالف ويكافئ الملتزم.

2. في القوانين العامة والبلدية:
• حملات إزالة التجاوزات الان يمكن أن تكون أكثر فعالية إذا رافقها تحفيز سكني للملتزمين (مثلاً: تقسيط أراضي أو خدمات مجانية).
• بدلًا من التركيز على الهدم فقط، يمكن تطبيق نظام عقاب – تعزيز – إصلاح:
• عقوبة للمخالف،
• تعزيز للمُصلح والمستجيب من خلال المكافآت .

3. في التربية والمرور والقوانين اليومية المتكررة :
• سائق يلتزم بالإشارة المرورية دون مكافأة؟ سلوكه قد لا يدوم.
الحل: نظام نقاط إيجابية تؤهله لامتياز مروري أو مالي.
• طالب يُنجز واجباته في جامعة أو مؤسسة قانونية دون تقدير
المطلوب: مكافأة ولو رمزية، بناءً على سلوكيات ملموسة.

رابعًا: الخلاصة – بين القانون والدماغ
تطبيق القانون لا يكفي وحده لضبط المجتمع.
لا بد من فهم الدماغ والسلوك، وتشكيله من خلال:
• مكافأة السلوك القانوني (تعزيز إيجابي)
• عقاب السلوك المخالف (تعزيز سلبي أو عقوبة مباشرة)
• تقديم بدائل مغرية للسلوك الخاطئ (بديل سلوكي مشروع)

ان نظرية سكنر، إذا ما طُبقت على النحو الصحيح، يمكن أن تجعل من القانون نظامًا سلوكيًا فاعلًا لا مجرد حبر على ورق.

ختاماً اقول:
كل قانون بدون آلية تعزيز وعقاب واضحة… هو مجرد توصية تربوية لا تخلق سلوكًا ولا تبني دولة.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!