بقلم: القاضي عماد عبد الله
إن الجريمة الاقتصادية ظاهرة اجتماعية، عرفت مع تطور المجتمعات والحضارات البشرية، لكن التطورات الاقتصادية التي يشهدها عالمنا المعاصر، جعلت هذه الجريمة تحتل مكانة خطيرة وحساسة فمقياس قوة الدولة في العصر الحاضر لم يعد يقتصر على القوة العسكرية، بل يرتبط بقوتها ومناعتها الاقتصادية ومدى قدرتها على التحكم في سياستها الاقتصادية، وهكذا ازدادت اهمية القوانين والنصوص الاقتصادية الهادفة الى حماية الاقتصادات الوطنية.
تعتبر الجريمة الاقتصادية من السمات الأساسية للدول الرأسمالية، فطبيعة اقتصاديات هذه الدول يشجع على تنامي هذه الجرائم. ويذهب البعض الى تعريف الجريمة الاقتصادية بانها "كل عمل او امتناع يقع بالمخالفة للقواعد المقررة لتنظيم او حماية السياسة الاقتصادية اذا نص على تجريمه في قانون العقوبات او في القوانين الخاصة الأخرى فهي جرائم تتعلق بالانتاج وتوزيع واستهلاك وتداول السلع والخدمات، وكذلك ما يتعلق بوسائل الصرف والتي تتضمن اعتداء مباشر على اقتصاد الدولة حيث تضطلع الدولة بالتوجيه والرقابة ومراعاة للظروف الاقتصادية.
والجرائم الاقتصادية هي افعال تتعارض مع قواعد الاقتصاد بشكل عام والذي يحمي مصالح اقتصادية معينة، فارتكابها يتضمن عصيانا لاوامر المشرع الذي يستهدف من ورائها تحقيق مصلحة المجتمع فما يعد في نظر المشرع جرائم اقتصادية في فترة زمنية معينة، فانه لا يعد كذلك بعد انقضاء تلك الفترة المحددة لسريان القانون ومن ثم يغلب في هذه الجرائم ان تكون جرائم وقتية يهدف المشرع من ورائها حماية اوضاع اقتصادية معينة.
وقد تضمن قانون العقوبات العراقي الاشارة الى الكثير من الجرائم الاقتصادية ومنها جريمة تزييف العملة كما اصدر المشرع العراقي الكثير من القوانين الخاصة لمواجهة هذه الجريمة ومنها قانون مكافحة غسل الاموال وقانون الكمارك.
ان الاثر الرادع للعقوبة الجنائية يعد عاملا هاما في مكافحة الجرائم بصفة عامة بما فيها الجرائم الاقتصادية البنكية والجرائم الناجمة عن النمو الاقتصادي، ذلك ان الاقدام على ارتكابها لاياتي الابعد التخطيط الذي يكفل لها النجاح مما يصعب اكتشافها اضافة الى عنصر السرية في ارتكابها التي تعتبر من السمات المميزة للجريمة الاقتصادية بعيدا عن رقابة السلطات القانونية ونظر لشيوع النشاط الاقتصادي العابر للأوطان مما يجعلها أحيانا جريمة دولية عابرة للقارات بسبب نظام العولمة وتطور وسائل الاتصالات وخاصة في ما يتعلق بالجرائم الإلكترونية.
ويلاحظ ان هذه الجريمة اصبحت جريمة منظمة ترتكبها مجموعات بوسائل مختلفة منها الجرائم المتعلقة باستخدام البطاقات المصرفية والمعاملات المصرفية الاخرى عبر الإنترنيت مما نشأ عنها جرائم اقتصادية جديدة لم تكن معروفة سابقا فمن المسلم به ان التهديد بالعقوبة يصرف الكثيرين عن السلوك الإجرامي، كما ان توقيعها يحول دون عودة من وقعت عليه لارتكابها مرة أخرى، لذلك تتجه التشريعات على اختلاف نظمها الى تشديد العقوبة الاقتصادية، فالمجرم في الجريمة الاقتصادية مدفوع بالانانية لتحقيق ربح غير مشروع يستهين بخطورة فعله بالنسبة للمجتمع.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!