بعد أعوام من النقاشات والدراسات، يبدو أن الحكومة العراقية تستعد فعلياً للشروع في مشروع الاستمطار الصناعي، في خطوة تهدف إلى مواجهة الأزمات البيئية المتفاقمة، وعلى رأسها الجفاف والتصحر والعواصف الترابية.
وتأتي هذه الخطوة وسط تزايد التحذيرات من تراجع معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، في وقت تتصاعد فيه الضغوط على موارد العراق المائية والزراعية.
ويقول مدير إعلام هيئة الأنواء الجوية، عامر الجابري، إن "العراق قادر على تطبيق تقنية الاستمطار الصناعي لمواجهة هشاشة التربة والعواصف الترابية"، مشيراً إلى أن "التجارب أثبتت نجاحها في عدة دول، منها السعودية والإمارات وعُمان".
وأضاف الجابري، لـ(المدى) أن "الاستمطار يتطلب تخصيصات مالية تحددها لجان مختصة، وأن تنفيذه يتم عادة في بداية الشتاء لاحتياجه إلى غيوم نشطة وقريبة من سطح الأرض"، مشيراً إلى أن "العراق سبقَ أن نفذ تجربة استمطار في سنوات ماضية ونجحت، وأن تطبيقها حالياً سيتركز على المناطق الغربية لمواجهة موجات الغبار".
وتعود أولى التجارب العالمية للاستـمطار الصناعي إلى عام 1947، حين نجحت منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية في أستراليا في تنفيذ تجربة لتلقيح السحب، ومع تطور التكنولوجيا، توسعت هذه الممارسات لتشمل نحو أربعين دولة، بينها الصين وروسيا وتايلاند، بهدف تعديل الطقس أو زيادة الموارد المائية.
ويعتمد الاستمطار على عدة تقنيات، أبرزها تلقيح السحب بمواد مثل "يوديد الفضة" أو "ملح الطعام"، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً في دول الخليج، أو تقنية التأين التي تعتمد على شحن الغبار لجذب بخار الماء، وتُعد مناسبة للمناطق ذات الرطوبة المنخفضة.
وفي المنطقة العربية، أطلقت الإمارات برنامجاً بحثياً عالمياً في علوم الأمطار، بينما نفذت الأردن أول عملية استمطار في مارس الماضي فوق منطقة سد الملك طلال لمواجهة أزمة شح المياه.
أما العراق، فله تجربة مبكرة في تسعينيات القرن الماضي في كركوك والموصل باستخدام نترات الأمونيوم، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة وتوقفت، ومنذ 2022، بدأت الحكومة مفاوضات مع شركات ألمانية وأسترالية لتقييم أفضل التقنيات الملائمة للمناخ العراقي، لكنها لم تدخل مرحلة التنفيذ الميداني بعد.
الاستمطار ضرورة بيئية
ويقول الباحث البيئي وحيد محمد فضل لـ(المدى) إن "شح المياه والجفاف باتا من أكبر التحديات التي تواجه العراق والمنطقة، ولا سيما في الدول التي تقع ضمن النطاقات الجافة وشبه الجافة، حيث يندر هطول الأمطار وتشتد موجات الحر، ما يؤثر بشكل مباشر على الزراعة والأمن الغذائي ونوعية الحياة".
وأوضح أن "انخفاض معدلات الأمطار في السنوات الأخيرة، وتزايد موجات الجفاف بفعل التغير المناخي، فاقما من تدهور الأراضي الزراعية وتراجع المساحات الخضراء، وهو ما ينعكس سلباً على البيئة والاقتصاد والصحة العامة".
وأضاف أن "الاستمطار الصناعي يطرح نفسه اليوم كأحد الحلول التقنية التي يمكن أن تخفف من وطأة هذه الأزمات، من خلال تحفيز الغيوم على إسقاط ما تحمله من بخار ماء في صورة أمطار، وبالتالي زيادة المخزون المائي سواء في السدود أو المياه الجوفية".
وأشار إلى أن "هذا النهج قد طُبق بالفعل في دول عربية عدة، منها السعودية والإمارات وعُمان والمغرب، وحقق في بعضها نسب نجاح تراوحت بين 15% و30% في زيادة معدلات الهطول المطري".
وأكد أن "اللجوء لتقنيات الاستمطار لم يعد ترفاً أو خياراً مؤجلاً، بل أصبح ضرورة في ظل تفاقم آثار الاحتباس الحراري وتكرار موجات الجفاف، خصوصاً أن العراق فقد خلال العقود الأخيرة جزءاً كبيراً من موارده المائية التقليدية نتيجة عوامل طبيعية وأخرى سياسية مرتبطة بتقاسم مياه الأنهار مع دول الجوار".
وشدد على أن "تطبيق هذه التقنية يتطلب تخطيطاً علمياً دقيقاً، بدءاً من دراسة الظروف الجوية بدقة عالية، مروراً بتوفير فرق فنية مدربة، وانتهاءً بتقييم الأثر البيئي لضمان أن تكون النتائج إيجابية ومستدامة".
ورغم ما يحمله المشروع من آمال، تواجه عملية الاستمطار الصناعي في العراق عدة عقبات، أبرزها الحاجة إلى تمويل كبير وبنية تحتية تقنية متطورة، إضافة إلى توفر كوادر وطنية مدرّبة لإدارة العمليات.
كما أن نجاح الاستمطار يرتبط بعوامل مناخية محددة، مثل وجود غيوم قابلة للتلقيح ورطوبة مناسبة، وهي شروط قد لا تتوافر دائماً في المناخ العراقي.
وأظهرت تجارب دولية عديدة، أن نسب نجاح الاستمطار قد لا تتجاوز 30% في أفضل الظروف، ما يثير تساؤلات حول جدواه الاقتصادية، خاصة إذا كانت التكاليف مرتفعة مقارنة بالعائد المائي المتوقع.
العراق على أعتاب استمطار صناعي تاريخي لإنقاذ موارده المائية وكبح العواصف الترابية
كلمات مفتاحية
تعليقاتكم والموضوعات الأكثر تداولاً
أكثر المواضيع قراءة
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!