
أثار استنكار الخارجية التركية، عدم منح التركمان منصبا في إحدى نواحي محافظة كركوك، جدلا في الأوساط السياسية، وفيما عده البعض تدخلا في الشأن العراقي الداخلي يوجب استدعاء سفير أنقرة، دافعت الجبهة التركمانية عن “الاستنكار التركي”، وعدته استجابة لشكاوى “أبناء عرقهم”، فيما وضع عرب كركوك اللوم على حكومة كركوك المحلية وصمت بغداد الذي جعل المحافظة في مهب التدخلات.
وأعربت وزارة الخارجية التركية، أمس الجمعة، عن قلقها إزاء التطورات الجارية في محافظة كركوك، وتحديدا في مدينة التون كوبري، على خلفية توترات شهدتها المنطقة بسبب تغييرات إدارية، مطالبة بتمثيل منصف للتركمان في المؤسسات الرسمية.
ويقول المتحدث باسم الجبهة التركمانية محمد سمعان، إن “المكون التركماني في انتخابات 2023 كان يأمل بتشكيل حكومة محلية في كركوك تمثل كافة المكونات، لاسيما وأنها جرت بعد 18 سنة من آخر انتخابات في المحافظة، وبعد خلافات طويلة في طريق تشكيل الحكومة المحلية واحتراما لتدخل رئيس الوزراء الذي أوصل رسالة بضرورة التحاق الاتحاد الوطني الكردستاني وعدم إبقاء أي طرف خارج المعادلة، وافقنا على عودتهم”.
ويضيف سمعان، أن “الاتحاد الوطني للأسف ومع مجموعة من العرب، عقدوا اجتماعا سريا غير دستوري في فندق الرشيد وشكلوا حكومة كركوك، وبقي التحالف العربي والجبهة التركمانية والحزب الديمقراطي الكردستاني خارج هذه الحكومة، ومنذ تاريخ تشكيل هذه الحكومة في 12 آب حتى الآن لا نعترف بهذه الحكومة التي نسميها حكومة فندق الرشيد”.
ويشير إلى أن “ضغوطا كبيرة مورست ضد التركمان، إذ يتم كل فترة استبعاد مجموعة من المدراء التركمان في الدوائر الحكومية وحتى في سلك الشرطة كنوع من الضغط، وإحدى هذه الضغوط حدثت في ناحية التون كوبري التي تحتوي على مناصب تركمانية مثل مدير الناحية ومدير البلدية ومدير شرطة الناحية، وهذه المناصب كلها الآن لدى الكرد، وهذا لا يجوز، لاسيما وأن الناحية ذات أغلبية تركمانية، مع ذلك لا منصب للتركمان فيها”.
وفي ما يخص التدخل التركي بحجة “حماية” التركمان، يقر المتحدث باسم الجبهة التركمانية، بأن “التدخل التركي لم يكن بتصرف شخصي، وإنما بناء على ما وصلت تركيا من شكاوى من أبناء المكون التركماني، وهذا لا يمكن إنكاره، فمثلما تذهب أحزاب عربية سنية للشكوى في السعودية والأردن، وتفعل الشيء ذاته أحزاب شيعية في إيران، نحن قدمنا شكاوى إلى تركيا باعتبارنا من العرق نفسه، لاسيما أنها دولة جارة”، على حد تعبيره.
ويخلص إلى أن “التركمان جزء ومكون أساسي من العراق، ويعتزون بعراقيتهم، ويعدون أنفسهم جسرا للتواصل والدبلوماسية بين بغداد وأنقرة، لكن البعض يرى التنوع ضعفا وليس قوة”، مشيرا إلى أن “بيان الخارجية التركية لا يعني التدخل بشأن داخلي عراقي، وإنما هو تساؤل عن حقوق التركمان في العراق”.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كتشالي، في تغريدة عبر منصة “إكس”، قال إن “تمثيل التركمان بشكل مناسب في السياسة العراقية وبنية الدولة هو المطلب الأساسي لتركيا”، مؤكداً أن هذا الأمر يعد “مهماً بشكل خاص في سياق التعيينات والمناصب ضمن جميع المؤسسات الحكومية في كركوك، بدءاً من مجلس المحافظة”، ولفت إلى أن “تعيين مدير غير تركماني في بلدية التون كوبري، وهي منطقة ذات غالبية تركمانية، تسبب بشكل مبرر في استياء وخيبة أمل لدى المجتمع التركماني”.
من جهته، يشير المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، إلى أن “التدخل التركي الأخير، المتمثل في استنكار أنقرة لعدم منح منصب مدير بلدية التون كوبري لممثل عن المكون التركماني، يثير تساؤلات حساسة تتعلق بالسيادة العراقية والعلاقات الثنائية بين البلدين، ويعد مساسا بالشأن الداخلي العراقي وخرقا صريحا للأعراف الدولية”.
ويضيف الهلالي، أن “التون كوبري منطقة متعددة المكونات، ومن الطبيعي أن تدار شؤونها الإدارية وفق معايير الكفاءة والاستحقاق الانتخابي المحلي، لا على أساس الإملاءات الخارجية، وضمن هذا السياق، يبرز دور الحكومة العراقية والدبلوماسية في التعامل مع هذه المسألة بحزم وحكمة”.
ويردف أن “على الحكومة أن تُصدر موقفا رسميا واضحا يؤكد أن التعيينات الإدارية في البلاد تُبنى على أسس وطنية داخلية، وترفض أي ضغوط خارجية، مهما كانت الجهة أو الذريعة، كما على وزارة الخارجية أن تستدعي السفير التركي وتُبلغه احتجاجا رسميا على هذا التدخل غير المقبول”.
كما تجب في الوقت ذاته، وفقا للهلالي، “طمأنة المكون التركماني بأن حقوقه السياسية والإدارية مصانة بالكامل ضمن الإطار الدستوري العراقي، بعيدا عن أي وصاية خارجية، كما أن فتح حوار داخلي مع ممثلي التركمان يسهم في تقوية النسيج الوطني ويمنع استغلال قضاياهم من قبل أطراف خارجية”، لافتا إلى أن “حماية السيادة تتطلب توازنا بين الرفض القاطع للتدخلات، والحرص على العدالة والشراكة الوطنية لجميع المكونات”.
وشهدت ناحية التون كوبري (بردي)، خلال الأسبوع الجاري، تظاهرات نظمها أنصار الجبهة التركمانية، حيث قطع المحتجون الطريق الرئيس الرابط بين كركوك وأربيل مرتين، يومي الاثنين والخميس، احتجاجاً على تغيير مديرة البلدية الكردية وتكليف بديلة عنها من بلديات كركوك، وهي أيضاً من القومية الكردية.
ورفض المتظاهرون هذا الإجراء، مطالبين بمنح إدارة البلدية الى شخصية تركمانية، بالنظر إلى التركيبة السكانية للناحية، كما شهدت التظاهرات اعتصامات وقطع طرق وإشعال إطارات، قبل أن تتدخل قوات الأمن لإعادة فتح الطريق وإعادة الاستقرار المؤقت للمنطقة.
إلى ذلك، يرجع رئيس هيئة الرأي العربية في كركوك ناظم الشمري، التدخلات التركية إلى “مجموعة عوامل تركت فراغا سياسيا في كركوك كالانقسام العربي والمكوناتي والتهميش الذي حدث بسبب تشكيل حكومة فندق الرشيد في العاصمة، وصمت بغداد عن كل ما يجري في هذه المحافظة”.
ويضيف الشمري، أن “لكركوك وضعها الخاص، كما أن لكل منطقة خصوصية، والتون كوبري مدينة تركمانية خالصة، وتعيش فيها منذ سنين عوائل عربية لكن تغييرا ديموغرافيا كرديا حدث في العقود الأخيرة واستحوذت مكونات على المناصب في المدينة واستبعدت باقي المكونات والأحزاب الممثلة في مجلس المحافظة وهذا ما عبث بأمنها واستقرارها وجعلها ذريعة للتدخلات الخارجية”.
ويفيد بأن “مجلس المحافظة لم يعقد أي جلسة سوى خاصة أن أعضاءه الستة عشر انقسموا إلى فريقين 8 مقابل 8، أما التركمان قاطعوا الحكومة المحلية لأنهم كانوا مع حزب السيادة الذين استحوذوا على المناصب العربية، بينما استحوذ الاتحاد الوطني على المناصب الكردية”، محملا بغداد “مسؤولية ما يجري في كركوك، لأنها محافظة لها وضع خاص لا يمكن أن تتشكل حكومة فيها بمعزل عن نصف العرب والتركمان، فحكومة فندق الرشيد أبعدت الديمقراطي ونصف العرب والتركمان”.
المصدر: العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- رسوم ترامب تضع العراق أمام خيارين لا ثالث لهما: التقارب أو التصعيد
- كواليس الصفقة الصامتة: تركيا تقايض الماء بطريق التنمية
- أسعار السلع لا تتأثر بانخفاض الدولار.. وإجراءات الحكومة "بلا جدوى"