ابحث في الموقع

خبيرة عراقية تشكك بأرقام السوداني: الاستثمار الأجنبي 6 مليارات وليس 89

خبيرة عراقية تشكك بأرقام السوداني: الاستثمار الأجنبي 6 مليارات وليس 89
خبيرة عراقية تشكك بأرقام السوداني: الاستثمار الأجنبي 6 مليارات وليس 89

 

كشفت الخبيرة الاقتصادية سهام يوسف، الثلاثاء، عن وجود "تناقض صارخ" بين تصريحات رئيس الحكومة حول حجم الاستثمارات الأجنبية في العراق وبين البيانات المالية الصادرة عن البنك المركزي، مؤكدةً أن الأرقام المعلنة "تبالغ بشكل كبير" في حجم التدفقات الاستثمارية الفعلية.

جاء ذلك ردا على تصريح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني خلال القمة العربية التنموية الاقتصادية في أيار 2025، والذي أعلن فيه أن حجم الاستثمارات العربية والأجنبية في العراق بلغ 89 مليار دولار خلال عامين.

وقالت يوسف في مقال اطلعت عليه وكالة نون الخبرية، ان "البيانات الرسمية للبنك المركزي تظهر أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر لم يتجاوز 6.2 مليار دولار خلال عامي 2023 و2024، وهو رقم لا يتعدى 7% مما تم الإعلان عنه".

وأضافت الخبيرة الاقتصادية أن "التفاوت الكبير بين الخطاب الرسمي والأرقام الفعلية يثير تساؤلات حول منهجية احتساب هذه الاستثمارات"، مشيرة إلى أن "الحكومة قد تخلط بين التعهدات والاتفاقيات الورقية وبين التدفقات المالية الحقيقية".

وأكدت يوسف أن "الاستثمار الحقيقي يجب أن يُقاس بالتدفقات المالية المسجلة في ميزان المدفوعات وتحوله إلى مشاريع ملموسة"، معتبرة أن "تضخيم الأرقام دون سند مالي يضر بمصداقية البيئة الاستثمارية".

ودعت الخبيرة الاقتصادية إلى "تعزيز الشفافية في عرض البيانات الاستثمارية"، و"إيجاد آليات رقابية لمتابعة تنفيذ المشاريع"، مؤكدة أن "الاقتصاد العراقي في حاجة إلى استثمارات حقيقية وليس إلى أرقام إعلامية".

يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يُثار فيها الجدل حول دقة الأرقام الاستثمارية المعلنة، حيث سبق أن انتقد خبراء اقتصاديون غياب المعايير الموحدة في قياس الاستثمارات الأجنبية.

في أدناه نص المقال:

في مايو 2025، وأثناء كلمته في القمة العربية التنموية الاقتصادية، أعلن رئيس مجلس الوزراء، السيد محمد شياع السوداني، أن حجم الاستثمارات العربية والأجنبية في العراق بلغ نحو 89 مليار دولار خلال عامين. وقد رافق هذا التصريح زخم إعلامي كبير خلق انطباعًا بحدوث طفرة استثمارية في البلاد. لكن، حين نعود إلى البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسات الحكومية ذاتها، وعلى رأسها البنك المركزي، لا نجد ما يؤكد صحة هذا الادعاء، لا من حيث حجم التدفقات المالية ولا من حيث الإنجاز الفعلي للمشاريع.

وفقًا لتقارير البنك المركزي العراقي المستندة إلى حساب ميزان المدفوعات، بلغت صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2023 نحو 5.36 مليار دولار، في حين سُجّل صافي خروج في استثمارات الحافظة بقيمة –354 مليون دولار، ودخول محدود في الاستثمارات الأخرى (قروض وودائع) بحدود +16.7 مليون دولار، ليكون صافي الاستثمار الأجنبي الكلي لذلك العام بحدود 5.02 مليار دولار فقط.

أما في عام 2024، فتُظهر البيانات أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر لم يتجاوز 1.2 مليار دولار، بينما بقيت الاستثمارات الأخرى ضعيفة وغير مستقرة. وبذلك، فإن مجموع ما دخل من استثمارات أجنبية خلال عامي 2023 و2024 لا يتعدى 6.2 مليار دولار، وهي أرقام بعيدة كل البعد عن الرقم المعلن البالغ 89 مليار دولار.

هذا التفاوت الحاد بين ما يُعلن في الخطاب السياسي وبين ما ترصده البيانات المالية الرسمية يثير تساؤلات جوهرية حول مصداقية الأرقام ودقة الصورة التي تُقدَّم للرأي العام، خاصة عندما لا نجد لهذه "الاستثمارات المليارية" أثرًا ملموسًا في الإنتاج أو التشغيل أو حتى في الحسابات القومية.

يمكن تفسير هذا الفارق بعدة عوامل. أولها أن الحكومة غالبًا ما تحتسب "الإجازات الاستثمارية" والتوقيعات الورقية كأنها استثمارات قائمة، دون تمييز بين النوايا والتنفيذ الفعلي، وبين التعاقد وبين التحويل المالي. كما لا تنشر الجهات المعنية نسب الإنجاز المالي أو الفني للمشاريع التي يُروَّج لها، مما يُصعّب التحقق من جدية التنفيذ أو حتى بدايته. يضاف إلى ذلك غياب الرقابة البرلمانية والإعلامية الفاعلة، التي كان من الممكن أن تكشف الفجوة بين ما يُعلَن وما يتحقق على الأرض.

في هذا السياق، يُستخدم الخطاب الاستثماري كأداة سياسية لتضخيم الإنجاز، دون ربط ذلك بمؤشرات قابلة للقياس. كما يُلاحظ خلط بين الاستثمار الأجنبي والمحلي، وبين التعهدات ومذكرات التفاهم من جهة، والدخول الفعلي لرؤوس الأموال من جهة أخرى، وهو خلط يؤدي إلى تضليل الجمهور وصناعة وهم الازدهار.

إن الاستثمار الحقيقي يُقاس بما يدخل فعليًا من رؤوس أموال، ويظهر في ميزان المدفوعات، ويتحول إلى مشاريع قائمة تُنتج وتوظف وتضيف إلى الناتج المحلي. أما ما يجري تداوله من أرقام دون أساس مالي، فلا يعدو كونه حملة علاقات عامة لا تجد ترجمة لها في الواقع الاقتصادي.

وعليه، فإن الادعاء بدخول 89 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية خلال عامين لا يستند إلى بيانات موثقة، ولا يُعزز بأي دليل مالي ملموس. بل إن ما يتوفر من بيانات رسمية يناقضه كليًا، ويكشف أن الخطاب الحكومي ما زال بعيدًا عن الواقعية.

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!