
يرسم واقع الخزين المائي في العراق صورة خطيرة لما يمكن أن تمر به البلاد، من جفاف شديد، خلال هذا العام والأعوام اللاحقة، وسط اتهام الجهات الحكومية بتجاهل هذا الملف الشائك، لا سيما في طريقة تعاملها مع دول المنبع؛ تركيا وإيران.
وتناول ناشطون أمس السبت، مشاهد تُظهر جفاف شلال كلي علي بيك في اقليم كردستان، لأول مرة في تاريخه الحديث، ما أثار موجة قلق واسعة.
يتزامن ذلك مع انخفاض كبير في خزين سد دوكان، في ظل تحذيرات من تفاقم أزمة المياه وتهديدها للبيئة والسياحة ومصادر العيش في الإقليم.
ومع اتساع وطأة أزمة المياه التي يغذيها الجفاف، وتغير المناخ، وسوء الإدارة، دعا النائب عن محافظة البصرة، علاء صباح، رئيس الوزراء، محمد السوداني، إلى إقالة وزير الموارد المائية، عون ذياب، لفشله في التعامل مع هذا الملف، فضلا عن افتقار الوزارة لخطة واضحة في معالجة انخفاض مناسيب المياه.
وقال صباح، إن “محافظة البصرة تعاني من تراجع مناسيب المياه، وارتفاع المد المحلي، في ظل ضعف أداء وزارة الموارد المائية، وعدم جديتها في التعامل مع الأزمة”.
وأضاف، أن “وزير الموارد المائية يتحمل مسؤولية مباشرة عن شحة وتلوث المياه، الأمر الذي ينذر بتفاقم الأوضاع المعيشية والصحية لأهالي البصرة”، مشددا على أن “لأبناء المحافظة الكلمة الفصل إذا استمرت الأزمة دون حلول حقيقية”.
ودعا النائب صباح، رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى “إعفاء الوزير من منصبه، بسبب افتقار الوزارة لخطة واضحة لمعالجة انخفاض مناسيب المياه، ومعالجة الأزمة المستمرة منذ سنوات دون نتائج ملموسة”.
وكان النائب علي سعدون اللامي، وصف الخميس امالضي، قيام تركيا وإيران بقطع المياه عن العراق بأنه “حرب مياه معلنة” تهدد الوجود الإنساني ومستقبل الزراعة في المحافظات الجنوبية، فيما طالب بعقد جلسة طارئة للبرلمان لمواجهة أزمة شح المياه وتداعياتها.
وحذرت الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي، الخميس الماضي، من تصاعد موجات الغبار وتدني الظروف البيئية في مناطق جنوب العراق، لا سيما محافظات السماوة وذي قار وغرب البصرة، عازية السبب إلى نشاط الرياح السطحية وتفاقم ظاهرة التصحر.
وكشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، في 23 حزيران الجاري، عن تراجع الإيرادات المائية في نهري دجلة والفرات إلى مستوى دون 50%، فضلا عن انخفاض الخزين المائي في السدود الى النصف ايضا، داعية رئيس الوزراء، محمد السوداني لتفعيل الورقة التجارية للضغط على تركيا.
وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية، نتيجة التغير المناخي، والسبب الثاني يعود إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، بسبب سياسات مائية لإيران وتركيا.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة البنك الدولي، بحلول العام 2040، “سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار، كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا، فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخضر وشامل”، أي ما يساوي نسبة 6 بالمئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.
وكشف وزير الموارد المائية، عون ذياب، في 27 آيار الماضي، عن اتفاق عراقي تركي على إطلاق 500 متر مكعب في الثانية من مياه نهر الفرات يوميا، لكن ذلك لم يكن كافيا.
يشار إلى أن العراق يتصدر بصورة مستمرة، قائمة المستوردين لأغلب السلع التركية، وغالبا ما تصدر بيانات تركية تفيد بحلول العراق في مراتب متقدمة، غالبا كثاني أو ثالث المستوردين لمختلف أنواع السلع، ومنها المواد الغذائية والمنتجات الزراعية والأخشاب، وحتى المكسرات.
وكان الخبير الاقتصادي والمالي، همام الشماع، أكد في تصريح سابق، بأن “استخدام الورقة الاقتصادية ضد تركيا ممكن أن يكون وسيلة ضغط قوية، إذا ما طبقت هذه الورقة بالشكل الصحيح والحقيقي. يجب أن تكون هناك مقاطعة بشكل كامل، وليست مقاطعة جزئية عن طريق بعض المنافذ والتجار، وإذا تمت المقاطعة بشكل حقيقي، فهناك بدائل للبضائع التركية، سواء من المواد الغذائية أو المواد المصنعة، من دول كثيرة”.
يشار إلى أن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، قد افاد مؤخرا، بأن العراق فقد نحو 30 بالمئة من الأراضي الزراعية المنتجة للمحاصيل، بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.
وكان المتحدث باسم وزارة الموارد المائية في العراق، خالد شمال، أكد في 20 آيار الماضي، أن النقص في المياه أسوأ من عام 2024، وسيجبر السلطات على تقليص مساحة الأراضي الزراعية هذا الصيف.
ليست تركيا لوحدها من تثقل كاهل العراق المائي، فإيران بدورها تسهم في تعقيد المشهد من خلال تحكمها في تدفق عدد من الروافد الشرقية التي تغذي نهر ديالى ونهر سيروان وروافد دجلة، وعمدت خلال السنوات الأخيرة إلى تحويل مجرى بعض الأنهار إلى داخل أراضيها، وهو ما تقابله السلطات بالصمت والحذر لاعتبارات سياسية وطائفية معقدة.
وتراجع مستوى المياه في سد دوكان بشمال العراق بنسبة 75% هذا العام، ما يفرض تقنيناً على ملايين السكان المتضرًرين أصلاً من الجفاف.
وخلال شهر آيار الماضي، سجل مخزون المياه في العراق أدنى مستوياته منذ 80 عاما، بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات.
ومن أجل ضمان توافر مياه الشرب لـ 46 مليون عراقي، اضطرت السلطات خلال السنوات الماضية إلى تقليص المساحات الزراعية، كما شجعت المزارعين على استخدام تقنيات الري الحديث للحد من استهلاك المياه.
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر منذ 5 سنوات على الأقل، تنتقد بغداد بانتظام السدود التي بنيت على النهرين في بلدي المنبع تركيا وإيران، والتي أدت إلى انخفاض كبير في مستوى النهرين، اللذين يشكلان المصدر الأساسي للمياه في العراق، بحسب وكالة فرانس برس.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي، بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويبدو أن الحكومات العراقية، على مدى قرن مضى، فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين، يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية، إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى استراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.
أقرأ ايضاً
- السلطات العراقية تضبط نحو 40 كيلوغراماً من المواد المخدرة بحوزة تاجر دولي كبير
- الداخلية تصدر أحكاماً بحق ضباط ومنتسبين على خلفية حادثة الكوت
- دعما لجهود الدولة.. العتبة الحسينية تقدم الدعم الفكري والعيني لنزلاء مصحة تأهيل المتعاطين