- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سوريا... والمصير الكارثي الذي تنتظره / 5
بقلم : عبود مزهر الكرخي
كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
هذه التحولات التي جرت على الجولاني قد تُشكّل التحوّلات التدريجية في صورة الجولاني، حالة نموذجيّة للدراسة من قبل المختصّين في التسويق السياسي، والباحثين في أسس صناعة الصورة العامة أو "العلامة التجارية الفارقة" للسياسيين.
ولهذا هناك علم في السياسة يسمى فن التسويق السياسي، والذي يتم عبره تسويق الشخصية من خلال نموذج معين ليتم استقطاب الجماهير من حوله. وعلى مواقع التواصل، يتسابق المعلّقون على قياس التغييرات في طول لحية الشرع وهندامه وطريقة كلامه باعتبارها حالة فريدة؛ لكنّ هذا التحوّل ليس ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها، كما يخبرنا أستاذ التسويق في جامعة نوتنغهام كريستوفر بيش.
فهناك الكثير من الحالات التي للرؤساء وقادة تسير على هذا النمط ويأخذنا الباحث بيتش فيقول " يأخذُنا بيش إلى تجربة مماثلة خاضتها مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا في الفترة بين 1979 و1990. "ففي السبعينيات، مع بداية صعود تاتشر سُلّم القيادة في حزب المحافظين، كانت تحتاج إلى تغيير صورتها كي تبدو مقنعة كرأس للدولة، ورئيسة وزراء محتملة"، يقول استعانت تاتشر حينها بخبراء في العلاقات العامة والتسويق، لحياكة صورة محبوكة بعناية، تُمثّلها كشخصية تُلبّي متطلّبات القيادة؛ توحي بالثقة، وبالقدرة على الإمساك بزمام الحكم. باتت تختار ملابس تشي بالصلابة والودّ في آن واحد، وعدّلت نبرة صوتها الرفيعة، لتصير هادئة وثابتة، حتى أنّها غيّرت تسريحة شعرها. وهكذا تشكّلت علامة "المرأة الحديدية"، وباتت صاحبة التأثير الأعمق على الحكم والسياسة في بريطانيا، لنحو عقدين من الزمن.
ومن هنا فأن الترويج لشخصيات القادة علمٌ قائم بذاته، ويمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في صعود تلك الشخصيات أو أفولها، بحسب المختصّين.
ببساطة، يستعير التسويق السياسي قواعد ومبادئ التسويق التجاري ذاتها، ويطبّقها في عالم السياسة، عوضاً عن تطبيقها على ترويج السلع، أو العلامات الفاخرة، أو الرحلات السياحية، أو المنتجات الرياضية. ويُعنى التسويق السياسي ببناء صورة عامّة أو "علامة تجارية فارقة"، تصير أشبه ببصمة للأحزاب والشخصيات والحركات السياسية، ويلعب بالتالي دوراً في مدى شعبيتها، ونظرة الجماهير لها، وإرثها ".
وهذا التسويق كان قديماً ومنذ عهد اليونانيين ليتطور وفي ظل الحداثة والتطور في الأعلام والملصقات والتلفزيون ليصل إلى ثورة الأعلام الرقمي، والذي بالتالي غير تواصل السياسيين مع الجمهور تغييراً جذرياً وكاملاً.
ويتابع الباحث بيتش: "التسويق السياسي اليوم صناعة بملايين الدولارات، يستهدف الجماهير بدقّة، وله تأثير واسع. صناعة صورة عامة أو علامة فارقة في عالم السياسية، تعني صقل سردية متماسكة، تعكس قيم الشخصية أو الحزب، وتقدر على خلق رابط عاطفي مع المناصرين". ويضيف " ويرتبط نجاح خطط التسويق السياسي، بالعمل بناءً على دراسات واستطلاعات رأي دقيقة، لفهم مزاج الجمهور. ويشير بيش إلى مجموعة مبادئ أساسية يحرص المسوّقون السياسيون المحترفون على تطبيقها لجعل العلامة السياسية فعّالة وناجحة. يقول: "من الركائز الأساسية: التميّز عن المنافسين، والقدرة على تقديم رؤية وقيم واضحة. هناك أيضاً الأصالة والثقة، وضرورة أن يكون الجمهور قادراً على التماهي مع القائد، وأن يكون الأخير متصلاً بهموم الناس " (1).
ولو أخذنا حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رئاسة الجمهورية هناك حالتان في تسويق اوباما وبنجاح، حيث أعتمد في هذا الأمر على بإطلالات مختلفة، فهو يظهر أمام الجهور مرة ( ربطة عنق وملابس رسمية أمام شرائح من الجمهور، وأكمام مرفوعة بدون ربطة عنق أمام شرائح أخرى) وهي توضح وتبين وجود مرونة عالية لديه.، فهو يظهر في المرة أنه رجل دولة وبشكل رسمي، وفي المرة الثانية يظهر البساطة والود الذي يحمله وليكون أكثر قرباُ من الناخبين ". وقد ت استخدمها في حملتي باراك أوباما لانتخابات الرئاسة الأمريكية عامي(2008 و2012)وهي تُعدّان حالتين نموذجيتين في تطبيق تلك المبادئ التسويقية بنجاح.
ونفس الشيء ينطبق على الرئيس الأمريكي ترامب والذي صور نفسه بانه مستضعف وانه ضد الطبقة الحاكمة، مستخدماً الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، والجدل المحيط بحملته، كوسيلة لتعزيز صورته كشخصية تعارض وتناضل ضدّ المنظومة السياسية الأمريكية القائمة" مع العلم أنه حكم أمريكا كرئيس لها مدة اربعة سنوات سابقة وكان يدير البلد بنفس المنظومات المتعاقبة على حكم الولايات المتحدة الأمريكية..
ونفس الشيء ينطبق في تصوير القادة الذين لا يقهرون من امثال بوتين وهو يمتطي صهوة الحصان وهو بدون قميص أو بملابس الجودو وهذه الأمور لأجل خلق هالة حول شخصية مُسيطرة، لا تُقهر، وتحظى بالولاء، ويرسل رسالة قوة وصلابة. إنها صور مدروسة لتدعيم علامة القائد القوي، حتى وإن لم يكن الهدف إقناع الناخبين بقدر ما هو ترسيخ الهيمنة.
ونفس الشيء ينطبق على تصدير الإعلام الكوري الشمالي صورة كيم جونغ أون كـ "منقذ الأمة وحاميها". وذلك من خلال عمل والتركيز على لرمزية والمشهدية، مثل العروض العسكرية والاحتفالات الضخمة، لتعزيز الهوية القومية وإشعار المواطنين بأن القائد قوي ولا يهزم.
ولهذا كان لا بد من أن نفهم ونعرف ماذا يحصل في سوريا والتغييرات التي حدثت بل وفي كل المنطقة، والذي في جزئنا القادم سوف نستعرض ما جرى على الجولاني وكيف تم اعداده لقيادة سوريا ومن هي الجهات التي عملت على ذلك,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ مأخوذة بتصرف من مقال بعنوان(من تاتشر إلى الجولاني: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟). سناء الخوري. موقع بي بي سي نيوز عربي,بي بي سي نيوز عربي - بيروت22 ديسمبر/ كانون الأول 2024
أقرأ ايضاً
- سوريا... والمصير الكارثي الذي تنتظره / 4
- سوريا... والمصير الكارثي الذي تنتظره / 3
- العيب الولادي ومعيار الضرر كسبب للتفريق القضائي في قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959