بقلم: سالم مشكور
الانقسام الحاد بات من سمات المجتمع العراقي، حيال أي قضية تطرح، أو مشروع قانون يراد تشريعه، أو مناسبة أو حدث أو ظاهرة. لا اتفاق على شيء، لا بين الأحزاب ولا بين شرائع الشعب.
تعدى الأمر حدود التنوع في المواقف إلى الخلاف حول كل شيء، ترافقه حملات تسقيط وتشهير واتهامات، وحديثا: الكذب والإصرار على الكذب، وجموع تتبع كل كذبة فتصدقها وتبدأ بتكرارها، حتى يخيّل حتى للمستهدف منها أنها حقيقة.
يحكى أن إنساناً أميّا طلب من كاتب عرائض أن يكتب له شكوى لمسؤول بحيث يستدر عاطفته ويدفعه إلى قضاء حاجته، فكتب له ما يريد وضمّنها مصائب وويلات ومعاناة لا وجود لها في الواقع.
وعندما بدأ يقرأها له، بدأ الرجل بالبكاء والعويل وهو يردد: «اما مشتعل أبو ابوي وما أدري؟!».
هكذا هو جمهور «المحتوى الكاذب» ومعه الهابط الذي ينتشر كالنار في الهشيم ويشوّش الأذهاب والعقول، ويستنفر العواطف بما يثير الأحقاد والكراهية والمواقف الخاطئة بسبب الكذب الذي يستند عليه.
أتابع الحملة التي تشن على مشروع التعديل المقترح إجراؤه على قانون الأحوال الشخصية، والتي راحت تتحدث عن أمور لم أجدها في نص التعديل المقترح.
بحماس يتحدث مدافعون عن القانون الحالي، الذي تم سنّه عام 1959 عندما يتحدثون عن أن التعديل يجيز تزويج القاصرات منذ سن التاسعة. لم أجد هكذا نص في التعديل المقترح، بل إن النائب الذي قدم مشروع التعديل ينفي تماما ما يجري الحديث عنه، بل ويؤكد أنه مرفوض اجتماعيا وإنسانيّاً.
التعديل يتحدث عن حريّة المقدمين للزواج في اختيار المذهب الذي يتم عقد الزواج على أساسه، أو وفق القانون الحالي الذي يعجب هؤلاء وكثير من منظمات المجتمع المدني الذين يرون فيه ما يحقق العدالة والاستقرار للأسرة
والمجتمع.
أليست المادة ٤١ من الدستور تنص على « العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون»؟، وهذا التعديل هو عملية تنظيم ذلك بقانون، مع ملاحظة انه لم يلغ القانون السابق إنما أدخل نصا يحقق حرية العراقي في تقرير أحواله الشخصية، ومنها الزواج، وفق القانون الذي يختاره، دون اشتراط التطابق مع المذهب الذي ينتسب إليه. هذا التعديل المقترح يلبي منطوق المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي ولا يجوز سن أي قانون يتعارض مع مبادئه، وفي قانون الأحوال الشخصية الحالي ما يتعارض مع مبادئ الإسلام وهو ما أعلنه كثير من مراجع الدين منذ سنّه العام 1959.
ومع ذلك فان التعديل الحالي يعطي حرية اعتماد هذا القانون لمن يريد.
المعارضون للتعديل يمكن تصنيفهم إلى أربعة، الأول: لم يطلع على نص التعديل المقترح بل يعتمد ما يتم تداوله في وسائل التواصل.
الثاني ينطلق من خلفيات سياسية معارضة تاريخيا للإسلام السياسي وأحزابه (باعتبار أن مقدم التعديل ينتمي إلى هذا الوسط).
الثالث: هناك من يتخوف من أن هذا التعديل قد يؤدي في المستقبل إلى تفاصيل أكثر تضييقاً، وفق ما يرونه انطلاقا من متبنياتهم الأيديولوجية.
أما الصنف الرابع فهم أعضاء المنظمات التي تعمل تحت عناوين حقوق المرأة والأسرة، التي تثار حول الكثير منها شبهات تؤكدها ممارسات هذه المنظمات لجهة ارتباطاتها ورعايتها من جهات خارجية تتبنى مشاريع تدمير للمجتمعات في الشرق والغرب.
يتضمن التعديل المقترح إنشاء «مدونة الأحكام الشرعية في مسألة الأحوال الشخصية» عبر آلية تعتمد على رأي فقهاء كل مذهب. هنا سنكون أمام عقبات عديدة خصوصا في ما يخص الرأي الفقي الشيعي، حيث باب الاجتهاد مفتوح وقد يكون هناك أكثر من رأي حول قضية واحدة.
الاقتراح يحاول إيجاد الحل بحسم الأمر باعتماد رأي المرجع الأكثر تقليدا بين شيعة العراق. هنا نكون أمام إشكال جديد.
قد يكون رأي المرجع الأكثر تقليدا يندرج تحت عنوان «على الأحوط» أو «الأحوط وجوبا»، وفي لغة الفقه فان الأول يعني «غير ملزم» والثاني يعني «يمكنك الرجوع إلى مرجع آخر» فكيف سيحل هذا الإشكال؟.
عموما فان مشروع التعديل يخضع لنقاشات وتعديلات لتحقيق الغاية منه وهي: تطبيق المادة الدستورية بمنح الحرية للأفراد في الالتزام بأحوالهم الشخصية وفق أديانهم ومذاهبهم؟، وهذا ما لا يمكن معارضته من قبل من يدافعون عن الحريات الفردية. أليس كذلك؟.