أكد ممثل المرجعية الدينية العليا والمتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة، اليوم الأربعاء، أن القيم الاخلاقية والمبادئ الاجتماعية بأجمعها في النظرية الاسلامية في الاخلاق قابلة للتطبيق العملي لكل افراد البشر وان كانت ثقافتهم ومعارفهم متفاوتة، فيما ذكر بعض خواص المنهج الأخلاقي والنظرية الاجتماعية الإسلامية في أدعية الامام السجاد (عليه السلام).
وتنشر وكالة نون الخبرية في ادناه نص كلمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي التي القاها خلال حفل افتتاح مهرجان تراتيل سجادية بنسخته العاشرة:
الهدف الأساس من اقامة المهرجان هو التذكر والتنبيه على الدور الأساس الذي يتميز به تراث الإمام السجاد (عليه السلام) في الفكر الإسلامي ومنهاجه العقائدي والفقهي والأخلاقي والاجتماعي ودور هذا التراث في مسيرة الأمة الإسلامية لإصلاح أحوالها المختلفة، وأنها مكملة لرسالة الإمام الحسين (عليه السلام) وفتح الآفاق وشحذ الأذهان وتنوير العقول للمزيد من البحث والدراسة والتوعية لما تركه الإمام السجاد (عليه السلام) في تراث من الكنوز المعرفية والسمو الأخلاقي والرفعة الاجتماعية والذي لم يحظى بالقدر الكافي من الاهتمام البحثي والتطبيق السلوكي والاجتماعي ويأتي هذا المهرجان ونشاطات مؤسسة الإمام زين العابدين (عليه السلام) لتفي بما هو ممكن حقاً عظيماً لهذا التراث على الأمة الإسلامية وفي سياق تراث آخر لم يعطى استحقاقه الا وهو نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وكذلك بعض الكتب والرسلات للأئمة الأطهار (عليهم السلام) لشيعتهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) لشيعته التي كان اتباع اهل البيت (عليهم السلام) يتعاهدونها بالدراسة والمباحثة والتعليم حتى أنهم في عهد الإمام (عليه السلام) ومن بعده من الائمة كان يضعونها في مصلاهم الخاص داخل بيوتهم في ذلك الوقت على ما نقلته بعض الكتب التاريخية، حيث كانت عادة شيعة اهل البيت (عليهم السلام) في ذلك الوقت ان يجعلوا في كل دار من دورهم موضعا للصلاة والتعبد والتهجد.
ومن المناسب هنا ان نذكر بعض خواص المنهج الاخلاقي والنظرية الاجتماعية الاسلامية ونعطف على ذكر ما تطابق من منهجية في أدعية الامام السجاد (عليه السلام) وخصوصا ادعية الصحيفة السجادية التي اوصي بقراءة دعاء واحدا أو صفحة واحدة من ادعية هذه الصحيفة في كل يوم او اسبوع مرة واحدة ليجدوا عظيم العطاء والثراء الفكري الدنيوي والأخروي في ادعية هذه الصحيفة.
ومع هذه الاسس والخواص للنظرية الاسلامية في الاخلاق وهذه النظرية تستند على مجموعة اركان مهمة نلخص بعضها بما يلي:
1. ان الركيزة الاساسية للقيم الاخلاقية في الاسلام هي العبودية لله تعالى، فان علاقة العبودية والربوبية بين العبد وخالقه اذا انبسطت واخذت اثرها في جميع المجالات الحياتية للإنسان ومنها اخلاقه وادبه فإنها ستؤتي اوكلها على النفس كل حين بإذن ربها وستكامل الإنسان مترتبا نحو مقاماته الانسانية اللائقة به ولذلك وردت الدعوة إلى التخلق بأخلاق الله تعالى، فان العبودية الحقة لابد ان تتجلى في مظاهر سلوكية تعكس حقيقة وصدق هذه العلاقة وربط القيم الاخلاقية الاسلامية بالعبودية والتوحيد كان يغطى بالكمال وسلامة الطريق والمنهج وقدسية الدوافع بخلاف ما لو كان مربوطا وضعيا بالإنسان ومصالحه الدنيوية.
2. ان القيم الاخلاقية في الاسلام ثابتة لا تتغير بتغير الحضارات الانسانية والمجتمعات بحسب طباعها وعاداتها او مع تغير الازمنة والامكنة بل هي مرتبطة بالإنسان ارتباطه بالفطرة التي جبله الله تعالى عليها مما يجعلها سهيلة التطبع والملكة فينجذب اليها الانسان تلقائيا وليس بوسائل قاهرة.
3. ان القيم الاخلاقية والمبادئ الاجتماعية بأجمعها في النظرية الاسلامية في الاخلاق قابلة للتطبيق العملي لكل افراد البشر وان كانت ثقافتهم ومعارفهم متفاوتة.
4. انها ترتبط بسيرة العقلاء وما اقروه في حياتهم وان اختلفت دياناتهم وافكارهم فحسن العدل وقبح الظلم الذي تبتني عليها الكثير من القواعد الاخلاقية الاسلامية قد افرضها العقلاء وامضوها في سيرتهم بحيث لا يقبلون خلافها ولا يقبلون معارضتها.
5. النظرية الاسلامية الاخلاقية مبنية على التوازن في تفعيل القوى الانسانية الأساسية من العقل والغريزة والشهوة بحيث تأخذ كل قوة حقها في الميدان، ولا يبقى بعضها على البعض الاخر بخلاف تلك النظريات الوضعية التي طغت فيها بعض الغرائز الانسانية على القوى النفسانية الاخرى فأحدثت الفوضى والدمار والهلاك والشقاء.
6. انها استوعبت على نحو التكامل والاتساع لتشمل كل احتياجات الانسان الروحية والنفسية والقلبية والسلوكية فردا ومجتمعا وحاكما ومحكوما وعالما وجاهلا ووضيعا ورفيعا وراع وراعية ولم تترك مساحة فارغة كاحتياج الانسان إلى معاشراته الإجتماعية وانماط سلوكه المختلفة وعلاقته بنفسه ومع مجتمعه ومع خالقه فاعطت للفكر والنظرية الاخلاقية والاجتماعية وروحية مساحتها التي تستحقها وقتل الميدان العملي ما يستحقه بل ملأت القلب بكل اعماقه مشاعر وعواطفه وتوجهات ومواقف متكاملة لكمال الانسان وعلوه ورفعته.
7. ارتبطت النظرية الاخلاقية بمبدأين مهمين ادخلت منهما النظريات الاخلاقية الوضعية الا وهما الاثار الدنيوية العظيمة لنفع النفس والروح والعقل وللمجتمع بكل طبقاته ولم تكتفي بل اضافت لها الثواب الاخروي الدائم والنعيم المقيم لتعزز المصالح الدنيوية في تحقيق العدل والسعادة والتعاون والتكافل والتآخي والمودة والمحبة بين افراد المجتمع، واذا تأملنا في بعض ادعية الصحيفة السجادية لوجدنا جميع هذه الاركان والمبادئ التي تمثلت في النظرية الاخلاقية الاسلامية منبسطة على فقرات ادعية الامام (عليه السلام) وتراثه.
ومثالاً على ذلك دعاء مكارم الاخلاق الذي أوصي الاخوة أن يتأملوا فيه ويدققوا في مضامينه العظيمة ويقرأوا ولو مقطعاً واحداً من المقاطع الكثيرة لهذا الدعاء في كل يوم وسيجدون أثاراً عظيمة على نفسيتهم واخلاقهم وسيرتهم وسلوكهم على مستوى الفرد وعلى مستوى العلاقة مع الآخرين الذي قل نظيره وعكس ثراءً روحياً ونفسياً واجتماعياً للفرد ومجتمعه، ولو عمل به لبلغ الانسان سمة الكمال والارتقاء فهو يبتدئ بقوله (عليه السلام) هذا الاساس الذي تستند عليه النظرية الاخلاقية الاسلامية العبودية لله تعالى لذلك يقول (عليه السلام) مبتدأً هذا الدعاء "اللهم صل على محمد وال محمد وبلغ بإيماني أكمل الإيمان ، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانته بنيتي إلى أحسن النيات، وبعملي إلى أحسن الأعمال" فابتدائه بالإيمان بالله تعالى وطلبه كمال الايمان.
وفي الفقرة اللاحقة حينما يقول (عليه السلام) "ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها"، فنرى الامام (عليه السلام) كيف يعلمنا على حفظ التوازن بين المقام من منزلة والوجاهة الاجتماعية ورفعتها وبين التواضع القلبي والتذلل النفسي داخل النفس حتى من خلال هذا التوازن لا نتعدى ملكة التواضع إلى التكبر والغرور والعجب ولا نتنزل عن الوسطية في التواضع إلى الذل الاجتماعي المرفوض الذي يحط من مقام الانسان اللائق به، ثم يرسم لنا الإمام (عليه السلام) طريقة تعاطينا مع الاخرين في سلبيات تعاملهم الاجتماعي وكيف يترفع الانسان المؤمن عن المعاقبة والتعامل بالمثل السيء مع الاخرين وان كان في هذا الترفع عسرة ومشقة ولا يتحمل عادة ولكن من اوتي حظا عظيما فهو يقدر على ذلك ولكن الامام يسعى لتكامل الانسان وسعادة مجتمعه.
فيقول (عليه السلام) "وسددني لإن أعارض من غشني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبر، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر"، نرى الامام (عليه السلام) يعلمنا كيف نصنع انسانا صبورا متسامحا متعاليا عن الحقد والانتقام حتى لو كان على مستوى النفس والقلب، ثم في دعائه عند الصباح والمساء حيث يبتدئ هذا الدعاء بقوله (عليه السلام) وهو ضرورة الارتباط بالخالق والتذكير بهذه العلاقة وطبيعتها بين العبد والخالق فيقول (عليه السلام) "الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته وميز بينهما بقدرته وجعل لكل واحد منهما حدا محدودا وأمدا ممدودا" فيبتدي الامام (عليه السلام) بالتذكير بقدرة الله تعالى وعظيم صنعه وعجيب حكمته لينطلق الانسان في تجليات الدعاء من خلال هذه المقدمة للعمل الاجتماعي بالتواضع لله تعالى والانقياد له ليتطابق منهاج حياته اليومي مع النظم الالهي للكون وحكمته، وكيف يعلمنا الامام (عليه السلام) دعاء عظيم ومنهجا يوميا عباديا واجتماعيا وروحيا واخلاقيا لكل يوم فيقول (عليه السلام) "اللهم صل على محمد وآله، ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير، وهجران الشر، وشكر النعم، واتباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الاسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحق وإعزازه وإرشاد الضال، ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف".
ومقطع واحد من هذه المقاطع الكثيرة لهذا الدعاء عن الامام (عليه السلام) ينظم لنا برنامجا يوميا عبادياً اجتماعيا سلوكيا يستفرغ فيه ما يكاد ان يكون برنامجا اسلاميا شاملا في حياة الفرد الرسالي.
وقوله (عليه السلام) "وحياطة الاسلام" فإنها تمثل الشعور لدى المؤمن أن يعمل كل ما بوسعه من اجل ان يحيط النظام الاسلامي من كل جوانبه بسور يحميه من كيد الاعداء وان يتخذ موقف المسؤولية العامة في مواجهة التحديات ومحاولات الاختراق الثقافي وروح للنظام الاسلامي.
ابراهيم الحبيب - كربلاء المقدسة
تصوير - عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- الأمين العام للعتبة الحسينية يشارك بافتتاح فعاليات موسم الأحزان الفاطمي: المهرجان يجسد مظلومية الزهراء
- اختتام فعاليات مهرجان الثقافة الكردية الأول
- كربلاء تستذكر لبنان عبر مهرجانها الشعري الثاني (صور)