مع حلول فصل الشتاء من كل عام يتكرر المشهد نفسه في عدد من المحافظات العراقية وخصوصاً الشمالية منها حيث تشهد سيولاً جارفة تخلف أضراراً جسيمة وفي بعض الأحيان تؤدي إلى وفيات، كما أن المحافظات الشرقية على امتداد الشريط الحدودي مع إيران هي الأخرى ليست بمنأى عن هذا المشهد حيث تجتاحها السيول القادمة من الجارة الشرقية التي تعمل على إمداد السدود والخزانات بكميات كبيرة من المياه، غير أن مختصين يرون أن الحكومات المتعاقبة لم تعمل على الاستفادة من هذه السيول لتخزينها واستثمارها في الزراعة وغيرها.
وشهد العراق منذ منتصف شهر شباط الجاري، منخفضاً جوياً مصحوباً بأمطار غزيرة تسببت بفيضانات تدفقت داخل مدن إقليم كردستان وغرقت العديد من الأحياء السكنية ونتج عنها خسائر مادية بمليارات الدنانير، كما تدفقت السيول من الجانب الإيراني في محافظات ديالى وواسط وميسان.
وبهذا الصدد يقول الخبير الزراعي والمائي عادل المختار، إن "كميات الأمطار التي سقطت على محافظات العراق وتحديداً من مدينة سامراء صعوداً إلى الحدود العراقية التركية يجري خزنها في السدود التي هي حاليا فارغة بالكامل، أما نزولاً من سامراء نحو الجنوب فمياه الأمطار يتم استثمارها ري المزروعات ودفع اللسان الملحي عن محافظة البصرة وتدعيم الأهوار".
ويضيف "بحسب تصريح وزارة الموارد المائية فإن سد دربنديخان ارتفع الخزين المائي فيه بعد موجة الأمطار الأخيرة ليصل إلى 450 متراً مكعباً، أما بقية السدود فلم يحصل تغير يذكر في خزينها".
وبشأن الاستفادة من الأمطار في الزراعة، يوضح المختار أنه "لا أضرار على الأراضي الزراعية من كمية الأمطار، بل على العكس توقيتها مناسب جدا وذلك لأن بعض المناطق لم تحصل على الرية الأول أي رية الإنبات والتي قد تكون معرضة لمشاكل تصفير المزروع".
ويتابع "بصورة عامة الخزين المائي بالعراق ضعيف ومتدني جدا ويكاد أن يصل إلى 8 مليارات متر مكعب، في حين كان في الصيف الماضي 11 مليار متر مكعب، الأمر الذي جعلنا نتجاوز الصيف بصعوبة كبيرة".
ويؤكد الخبير المائي "جميع المعطيات المائية تشير إلى أن الصيف المقبل سيكون أسوء صيف على العراق، كما أننا نحتاج خلال موسم الصيف إلى رية الفطام التي تتطلب مليارين ونصف المليار متر مكعب من المياه، أي سيكون لدينا عجز مائي بحدود 5 مليارات ونصف المليار متر مكعب".
وكانت وزارة الموارد المائية أعلنت الأسبوع الماضي، عن ارتفاع الخزين المائي في الأنهر ومنظومات السيطرة الخزنية نتيجة لسقوط أمطار غزيرة خلال الأيام الثلاثة الماضية، فيما أطلقت تحذيرا للساكنين على حوض نهر دجلة.
يشار إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في العراق أدت إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 بالمئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 بالمئة بحلول عام 2050.
بدوره يتفق المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، مع ما ذهب إليه الخبير المائي المختار، مبينا أن "جميع الأمطار التي تسقط في العراق مؤثرة ومفيدة، فالأمطار التي تسقط في شمال البلاد وصولا إلى صلاح الدين يتم تخزينها في سدة سامراء، وكذلك الحال بالنسبة للأمطار التي تسقط في المناطق الحدودية مع سوريا والأردن يتم خزنها في سد حديثة، مما يسهم برفع الخزين المائي وزيادته، أما الأمطار في المحافظات الأخرى فيتم الاستفادة منها في ري المزروعات".
ويؤكد أن "هناك ارتفاعا ملحوظا في مناسيب سدود دوكان ودربنديخان والموصل وحمرين فضلا عن ارتفاع بسيط في سد حديثة، وكميات الأمطار المتساقطة تقدر بمليار متر مكعب في جميع أنحاء العراق والتي ستعزز الخزين المائي بشكل كبير ويتم دفع جزء منها إلى الأهوار وشط العرب لتحسين بيئة هذه المناطق".
وبشأن توجيهات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة لمواجهة السيول، يوضح شمال أن "الوزارة بانتظار صدور أمر رسمي لتشكيل لجان لمواجهة السيول في أقرب فترة ممكنة، لكن بشكل عام هناك توجيه بالتعامل مع المحافظات الأكثر تعرضا للسيول لتحديد حجم الأضرار وكيفية التعامل معها".
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قد أصدر أمرا يوم السبت 17 شباط الجاري، بتشكيل غرفة عمليات لاستيعاب موجة السيول القادمة من المناطق الشمالية لتعزيز الرصيد المائي.
من جانبه، يشرح مدير الموارد المائية في ديالى مهند المعموري، كمية الأمطار والسيول بالمحافظة، أنه "تم استثمار جميع مياه الأمطار والسيول وتوجيهها إلى السدود والخزانات في المحافظة".
ويلفت إلى أن "وضع ديالى المائي فيما يخص تأمين المياه لمحطات المياه وسقي البساتين وتأمين احتياجات الخطط الزراعية سيكون تحت السيطرة في الصيف المقبل"، مشيراً الى أن "هنالك توقعات بموجات مطرية أخرى سوف ترفع مع الخزين المائي العام في سدود المحافظة وخاصة الرئيسية منها".
ويشير المعموري إلى أن "الموارد المائية ومن خلال فرقها الفنية نجحت في تسليك السيول صوب بحيرات السدود خاصة مع وجود فراغ خزني كبير قادر على استيعاب كل موجات السيول دون أي مخاطر تقود إلى فيضانات".
يذكر أن وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت الوزارة للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
وقد فقد العراق 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضا.
أما مدير ناحية قزانية شرقي ديالى مازن أكرم، فيبين، أن "سدود مندلي وقزانية والوند ضمن حدود ديالى وصلت إلى مرحلة الامتلاء الكامل بالوقت الحالي بعد تدفق سيول في أكبر موجة خلال الموسم الشتوي الحالي والذي أنعش المناطق الزراعية وأسهم في امتلاء 5 وديان حدودية كبيرة تمتد بين محافظتي ديالى وواسط".
وينبه إلى أن "للسيول فوائد كبيرة في سقي الأراضي الزراعية، لكن الكمية الأغلب هُدرت لعدم إمكانية خزن هذه المياه بسبب صعوبة إنشاء سدود على هذه الأراضي المنبسطة".
ويكمل "الأضرار نتيجة السيول اقتصرت على قطع الطرق الرئيسية في المحافظة، وسيتم معالجة الطرق المتضررة خلال الفترة المقبلة".
ويشكو العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضا إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهرا داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)
- تبعد (165) كيلومتر عن دمشق: يد السيستاني الرحيمة تغيث اللبنانيين في حمص السورية(فيديو)