ما زالت حالات "الدكة العشائرية" في عموم العراق وذي قار بشكل خاص، تبعث برسائل غير مطمئنة، وتؤشر عدم استقرار واضح بالوضع الأمني على الرغم من إصدار أحكام بالسجن المؤبد بحق مدانين بهذه التهمة.
وقبل أيام فقط، أصدرت محكمة جنايات ذي قار، أحكاما بالسجن المؤبد بحق خمسة مدانين قاموا بارتكاب (الدكة العشائرية) نتج عنها مقتل أحد المواطنين بقضاء الفهود في مدينة الناصرية استنادا لأحكام المادة الثانية 1/ 3 وبدلالة المادة الرابعة/1 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005.
ويقول مدير مركز الجنوب للدراسات صلاح الموسوي، إن "ظاهرة الدكة العشائرية، أخذت بالاستفحال في المجتمع، وبالتالي فأي محاولة أمنية أو قضائية للحد منها تصب في مصلحة الواقع الأمني الذي تعيشه المحافظة، خصوصا وأن ظاهرة الدكة العشائرية تسبب رعب وعدم اطمئنان لدى المواطن، إذ ما ارتكب أحد أفراد عشيرته خطأ مع عشيرة أخرى".
ويضيف الموسوي، أن "القانون إذا ما تم تنفيذه بشكل جدي وحقيقي، فسيرضخ الجميع له وفي مقدمتهم العشائر، فلا يمكن مواجهة القوات الأمنية".
والدكة العشائرية، هي هجمات مسلحة على منازل الخصوم من العشائر الأخرى، وتعتبر كتهديد شديد لإرغامهم على الرضوخ للحكم العشائري، وتستخدم فيها الأسلحة الخفيفة، إذ لا يراد منها القتل أو إلحاق الضرر بالشخص المعني الذي لم يرغب بالرضوخ والجلوس وفق التعليمات العشائرية.
وكانت محافظة ذي قار، وفي قضاء الإصلاح التابع لها، شهد نزاعا عشائريا دمويا في نيسان الماضي، تمثل بمواجهات مسلحة في الطرقات، أدى لمقتل 4 أشخاص وإصابة 10 آخرين، ومن بين القتلى ضابط كبير، نصبت له إحدى العشائر كمينا وأمطرته بوابل من الرصاص خلال محاولته فض النزاع، وذلك على خلفية تعليق بموقع الفيسبوك، انتقد أداء قائممقام القضاء.
وفي ذلك الوقت، ظهر وزير الداخلية عبدالأمير الشمري، ببرنامج تلفزيوني وقال خلاله: يجب إعادة ثقة المواطنين بمراكز الشرطة ولا نريد أن تكون العشيرة بديلة عن المركز.. أبلغت شيوخ العشائر بأن تهديد عناصر الأمن هو تهديد مباشر لي.. بدأنا المرحلة الأولى بخطة حصر السلاح بيد الدولة".
إلى ذلك، يقول شيخ عشيرة آلبو شامة، نافع سفاح، إن "أي خطوة أو قرار حكومي من شأنه أن يحد من عمليات الاستهداف تحت عنوان الدكة العشائرية فهي محط ترحيب واهتمام من قبل شيوخ العشائر".
ويضيف آلبو شامة، أن "الجميع لا يرغب باستخدام السلاح والحل السلمي هو الأفضل، وأي قرار تتخذه المحاكم المختصة أو الجهات الامنية سيكون لصالح المجتمع"، مبينا أن "بعض الدكات أصبحت تستخدم لأغراض أقل ما توصف بأنها تافهة، مثلا بسبب تعليق على موقع فيسبوك أو شجار في التواصل الاجتماعي، وفي السنوات السابقة كانت تستخدم لتنبيه الآخرين المعنيين بالقضية بضرورة حل الخلاف، لا أن يتم استخدام الاسلحة الثقيلة أو الإضرار بالمنازل والاشخاص، كما هو الحاصل في الوقت الحاضر وهذا مرفوض من قبل الشيوخ".
والعشائر في الجنوب، تمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة وغالبا ما تستخدم هذا السلاح في النزاعات فيما بينها، وكشف مصدر أمني، أن "شرطة ذي قار ضبطت سقوط صاروخي كاتيوشا في 22 تشرين الثاني 2023 عيار 106 ملم عند تلة ترابية قرب قرية الهصاصرة في قضاء سيد دخيل شرق المحافظة دون أن ينفجرا".
ويوضح المصدر، أن "الصاروخين انطلقا من قبل عشيرة متخاصمة مع أخرى، خلال نزاع جرى في تلك المنطقة".
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي الفقرة ذاتها التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.
ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو الفصائل المسلحة أو العشائر، ودائما ما يستخدم بالنزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
وتشهد أغلب مناطق الجنوب وبعض مناطق بغداد نزاعات عشائرية مستمرة، وبعضها يدوم لأيام وسط عجز الأجهزة الأمنية عن إيقافها، وتستخدم في هذه النزاعات مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
من جانبه، يوضح قائد شرطة ذي قار اللواء مكي الخيكاني، أن "أفواج الشرطة والاجهزة الأمنية المساندة لهم، دائما ما تنفذ عمليات أمنية مفاجئة لمتابعة مثيري النزاعات العشائرية والقبض عليهم ومصادرة أسلحتهم".
ويؤكد "نحن نعمل بجد لإنهاء هذا الملف وحماية المواطن وفرض هيبة القانون".
يشار إلى أن مجلس القضاء الأعلى، وفي خطوة للحد من النزاعات العشائرية، أصدر في تشرين الثاني 2018 قرارا يقضي بتوجيه تهمة الإرهاب ضد الأشخاص المتورطين ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" وهي إطلاق الرصاص الحي على طرف النزاع الآخر، إلا أن النزاعات العشائرية شهدت، رغم صدور القرار، ارتفاعا لافتا، خصوصا في الأطراف الشرقية للعاصمة بغداد وفي محافظات ميسان وذي قار والبصرة.
إلى ذلك، يبين مدير قسم شؤون العشائر في شرطة ذي قار العقيد قاسم السعيدي، أن "تصنيف مرتبكي الدكة العشائرية بالعمل الإرهابي ووضعها ضمن توصيف يحاسب عليه القانون، تعد خطوة إيجابية للحد من انتشارها، فإن تهم الإرهاب لا تقبل الكفالة أو محاولة الخروج من السجن لحين إزالة التهمة عنه أو اثباتها".
ويتابع السعيدي، أن "الممارسات الأمنية التي تنفذها قيادة الشرطة في مناطق النزاع والقبض على المتهمين فيها، كانت سببا في تراجع هذه الحالات بشكل واضح مقارنة بالفترات السابقة، وبالتالي يمكن لأي صاحب حق المطالبة والمداعاة بحقه عبر القنوات المعروفة بين العشائر وليس عبر الدكة العشائرية".
يذكر أن القوات الأمنية دائما ما تنفذ حملات للبحث عن السلاح غير المجاز، في بعض الأقضية والنواحي في المحافظات، وتنتهي الحملات بضبط بعض الأسلحة الخفيفة فقط.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- رغم المرض والشيخوخة "حبوبات" ثمانينيات يطعمن المشاية خبز "السياح" الجنوبي
- الناجي الوحيد يسرد الحكاية.. كيف غيب النظام السابق 6 أشقاء؟
- بعد 21 عاما على سقوط "صدام حسين".. هل حصل العراق على ديمقراطية حقيقية؟