يتحسر محمد عواد (53 عاما) على تركه أرضه الزراعية وبيع ما تبقى من ماشيته في محافظة ميسان (نحو 365 كلم جنوبي بغداد)، وتوجهه للبحث عن سكن وعمل في محافظة كربلاء (نحو 123 كلم جنوبي بغداد).
ويتحدث بحرقة عن معاناته بسبب الجفاف، وتركه مسقط رأسه ومهنة آبائه وأجداده، بالقول "لم يبق لي شيء في ميسان التي ولدت وعشت فيها، وأصبح كل همي هو البحث عن فرصة عمل وسكن لعائلتي".
كان عواد، يملك أرضا زراعية مساحتها دونمين غزيرة الإنتاج، وكانت مصدر دخل ثابت لعائلته، لاسيما وأنه ورثها عن أبيه، لكنها تحولت اليوم إلى جرداء ولم تعد زراعتها توازي ما ينفق عليها بسبب الجفاف.
"الجفاف دمر أغلب الأراضي الزراعية بالمحافظة، فالكثير من المزارعين هجروا أرضهم وتوجهوا للبدء بأعمال جديدة، لتوفير القوت اليومي، وهذا الأمر غير متوفر بمدننا، وهو ما جعلنا نتجه إلى كربلاء، أنا وبعض المزارعين المقربين مني، بغية البحث عن عمل وتوفير سكن لائق"، وفقا لعواد.
ويضيف أن "كربلاء من المدن التي تشهد حركة عمل مستمرة بلا توقف، وفيها مواسم زيارات وسياحة كبيرة، وهذه كلها بالنسبة لنا تعتبر عاملا جيدا لتوفير المال، على عكس المدن الأخرى التي تفتقر إلى الحركة التجارية، فكانت المدينة خيارنا الأول والأخير".
وحول مصير أرضه، يوضح عواد "تركتها ولم أقم ببيعها، فهي أرض زراعية ممتازة، وكما ورثتها من أبي سيرثها أبني من بعدي، وعسى أن يأتي اليوم الذي تعود فيه الأرض لوضعها السابق وتدر الخير الوفير".
ويشهد البلد، أقسى أزمة جفاف في تاريخه، حيث اشتدت الأزمة منذ 4 سنوات بسبب تقليل تركيا وإيران للإطلاقات المائية، ولم تمنح تركيا سوى 30 بالمئة من حصة العراق المائية المقررة، فيما قطعت إيران المياه بشكل كامل.
وأثارت قضية هجرة أهالي الجنوب نحو كربلاء، لغطا كبيرا في الفترة الأخيرة، خاصة بعد دعوات أطلقت من نواب المحافظة بمنع دخول أهالي الجنوب لها والاستقرار فيها.
ويضمن الدستور العراقي، حرية التنقل والسكن في كل محافظات العراق، دون أي قيود، بما فيها العاصمة بغداد، على عكس ما كان يتبعه النظام السابق، حيث منع التنقل والسكن وخاصة بغداد، ورهنها بوجود صورة قيد تثبت أن المشتري من سكنة بغداد قبل عام 1957.
ويقول نائب محافظ كربلاء علي الميالي، إن "محافظة كربلاء تعاني اليوم، من أزمة سكن حقيقية، وبدأت تتولد أحياء سكنية عشوائية غير منظمة".
ويضيف الميالي، أن "هناك جهات سياسية عملت على استمالة عواطف الناس وكسب ودهم، مما أدى إلى زيادة الهجرة العشوائية في السنوات الاخيرة"، مطالبا وزارة الداخلية بـ"تدقيق تدفق دخول المواطنين من المحافظات الأخرى وعدم التساهل للحفاظ على أمن المدينة، التي عملت الحكومة المحلية على توفره لضمان زيارة العتبات المقدسة فيها".
يشار إلى أن وزارة الداخلية، وفي آذار الماضي، وجهت بالتريث بنقل سجل النفوس وبطاقة السكن من المحافظات إلى كربلاء، بناء على كتاب تقدم به محافظ كربلاء.
يذكر أنه بعد العام 2003، توجه العديد من المواطنين إلى استغلال أراضي الدولة لبناء منازل عليها باتت تعرف محليا باسم "الحواسم"، ما أدى إلى تكوين مناطق عشوائية، وبدأت تتطور هذه الظاهرة حتى شهدت بناء منازل فخمة، كما شهدت عمليات بيع وشراء بأسعار مرتفعة، لكنها أقل بكثير من أسعار العقارات الرسمية، وذلك بسبب أزمة السكن في البلد.
قائممقام مدينة كربلاء حسين المنكوشي، يبين أن "التغييرات المناخية في أغلب مدن العراق والجفاف وقلة الامطار، وخاصة في مناطق الجنوب، وما ترتب عليها من نفوق للحيوانات وتدهور الزراعة، كلها عوامل أدت إلى نزوح أهالي الجنوب نحو كربلاء، حيث وجدوا فيها الملاذ الآمن وفرص العمل".
ويتابع أن "أهالي الجنوب، وجدوا في أحياء التجاوز بالمحافظة والمناطق الزراعية المملوكة للدولة، ملاذا لهم، لرخص ثمنها، حيث اشتروها وهي عبارة عن عقود زراعية أعطيت لغرض تنمية الزراعة لا بغرض السكن، كما أنها لا تحتوي على أبسط مقومات العيش، لكن جرى استغلالها لضعف تطبيق القانون".
ويشير إلى أنه "نعمل حاليا على جرد العوائل التي نزحت للمحافظة نتيجة التغير المناخي وايجاد فرص عمل لهم، ووضع برامج بغية تهيئة بيئة آمنة ومستقرة لهم، وفي نهاية هذا العام مطلوب منا توفير احصائيات دقيقة وتقديمها إلى الأمم المتحدة، بشأن العائلات التي نزحت بسبب الجفاف".
ومنذ أعوام، يشهد العراق هجرات كبيرة من الأرياف إلى المدن بسبب تراجع مناسيب المياه والجفاف، ما أدى إلى انهيار الواقع الزراعي وتدهور تربية الحيوانات.
ويقول الخبير البيئي حمزة رمضان، أن معظم سكان الأرياف ذهبوا للتطوع في الجيش أو الوظيفة والاستقرار في المدن، وبدأوا بزحف كبير جعل الكثافة السكانية في المدن تتضاعف، وسبب غلاء في الأسعار بسبب الاستيراد بدل الزراعة، وكان 60 بالمئة من سكان العراق سابقا في الأرياف، والباقي مواطنون حضريون، لكن الآن المعادلة انقلبت، بسبب سياسة الدولة بعدم تنمية الريف التي تقلل العبء على المدن.
إلى ذلك، يؤكد زهير الحسناوي، وهو صاحب مكتب عقارات في كربلاء، أن "الهجرة التي شهدتها المحافظة من المحافظات الجنوبية والمجاورة تسببت بارتفاع أسعار العقارات إلى الضعف، كما هناك مجمعات سكنية كثيرة أنشأت على أطراف المدن، إلى جانب مبادرة المصرف العقاري وقرض صندوق الاسكان، فكلها اسباب جعلت من سعر العقار مرتفع".
ويستطرد الحسناوي، أن "سعر الدونم من الأراضي الزراعية، كنا نبيعه سابقه بين 300- 400 مليون دينار، أما اليوم قفز سعره إلى مليار و600 مليون دينار، وسعر قطعة الأرض كان 15 مليونا واليوم اصبح 50 مليون دينار"، مؤكدا أن "هناك تقصير من الدولة بتوفير مجمعات سكنية رخيصة الثمن للمواطنين ذوي الدخل المحدود، ما دفع بعضهم إلى اتخاذ أراضي الدولة مكانا للسكن وهو ما يسمى بالتجاوز".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- غارات اسرائيلية جديدة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
- غارات اسرائيلية "عنيفة" تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت