اختلف المتخصصون بالاقتصاد حول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، الذي بدأ البرلمان بالتصويت على بنوده، ففيما عده البعض بأنه سيشكل نقلة نوعية للقطاع الخاص، ويخفف من المطالبة بالتعيين نظرا لكونه يضمن تقاعدا وميزات أخرى، وجده آخرون بأنه لا يلبي الطموح، وكان الأجدر بالدولة أن تتجه لتقوية القطاع الخاص وتنشيط المعامل بدلاً من هذا القانون، ووسط هذا الجدل دافعت وزارة العمل عن القانون لكونه "يحمي العامل ويحفظ حقوقه".
ويقول الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي جليل اللامي، إن "الترهل الوظيفي والإداري ظاهرة تعاني منها الكثير من المؤسسات، وتنتشر بصورة أكبر في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص، لذلك فإن مشاركة القطاع الخاص في الخطط الحكومية، يمكن أن يؤدي لاستيعاب أكبر عدد ممكن من القوى العاملة لتخفيف عبء تأمين وظائف لهم في القطاع العام، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وهو ما يمكن أن يوفره هذا القانون".
ويضيف اللامي، أن "القطاع الخاص يحتاج إلى بعض التشريعات لدعمه مثل قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع، إذ يعتبر واحدا من أهم القوانين التي تسهم بالاستقرار المعيشي والاقتصادي للمواطنين العاملين في القطاع الخاص بالإضافة إلى أنه لا يقل في الأهمية عن قانوني الخدمة المدنية وقانون سلم الرواتب، خاصة إذا طبق بصورة دقيقة، إذ سيشكل ركيزة حقيقية للتخفيف عن كاهل الدولة بتقوية القطاع الخاص".
ويشير إلى أن "أهمية القانون تأتي من الحجم الكبير للعاملين في القطاع الخاص المشمولين فيه فإذا طبق القانون وتمكن العامل في القطاع الخاص من خلاله من الحصول على تقاعد مجزٍ، سيخفف ذلك عن كاهل الدولة بما يتعلق بالتنافس".
وبدأ مجلس النواب، يوم الأربعاء الماضي، بالتصويت على بنود قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، دون أن يكمل التصويت على كافة بنوده، التي تأجلت لجلسة أخرى.
وطرح هذا القانون منذ سنوات، لكنه لم يقر وبقي قيد الجدل في البرلمان طيلة الدورات الماضية، ومن المفترض أنه يشمل العاملين في المهن وجميع النشاطات الاقتصادية مثل سائقي سيارات الأجرة والنقل الخاص وأصحاب المحال التجارية والورش الصناعية وغيرها من النشاطات.
يذكر أن اللجنة المالية النيابية، أكدت سابقا أن قانون التقاعد والضمان الاجتماعي ليس لتحديد رواتب تقاعد العمال لأن سقف الرواتب له قوانينه الخاصة، مبينة أن القانون ينظم آلية إدارة ملف الضمان الاجتماعي للعمال وإدارة مواردها واشتراكاتها.
من جانبه، يوضح الباحث الاقتصادي ناصر الكناني، أن "القانون لا يضيف شيئا جديدا للعامل، فبالحديث عن تقاعد القطاع الخاص، توجد توقيفات تقاعدية مفروضة على العامل؛ إذ يدفع الأخير 20 ألف دينار شهريا على مدى سنوات لحين بلوغ سن التقاعد، وهذه الأموال المتراكمة التي يدفعها الشخص إذا ما افترضنا أن عليها فوائد، ليس هناك فضل على العامل الذي هو بالأساس يقوم بإيداع أموال على مدى سنوات".
ويرى الكناني، أن "المعضلة تكمن في أن العراق بالأساس لا يمتلك قطاعا خاصا وشركات استثمارية، وإذا لم تكن هناك منشآت صناعية فلا جدوى من هذا القانون، وكان من الأولى دعم المصانع والمعامل المتوقفة من أجل تنشيط هذا القطاع الذي يعاني من عدم وجود تسهيلات في الصناعة كالقروض والدعم وغيرها".
ويصف هذه الخطوة بأنها "حلول ترقيعية وغير مجدية، فالقانون لا يحل مشكلة العمال، كوننا لا نمتلك قطاعا خاصا يمكن أن يعيد الحياة إلى المصانع والمزارع على شكل شركات لكي يتم توظيف أيد عاملة ضمن قانون تقاعد فعال".
وتعد شريحة العمال في العراق، من أكثر الشرائح التي تتعرض للظلم، فغالبا ما يتعرض لإنهاء خدمة مفاجئ، لاسيما وأن القطاع الخاص ما يزال لغاية الآن دون ضوابط ومحددات على عكس الدول الأخرى التي ألزمت القطاع الخاص بقوانين محددة منها الحد الأدنى من الأجور والضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى الأهم وهو توقيع عقد مع العامل.
ومنذ سنوات عديدة، برزت ظاهرة العمالة الوافدة في العراق، وشملت كافة القطاعات، ولاسيما أن أغلب العمالة كانت من بنغلادش، فيما أصبحت مؤخرا من سوريا ولبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية التي طالت البلدين، وتركزت هذه العمالة في المطاعم والفنادق والمقاهي.
في المقابل، تؤكد مدير عام دائرة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل، ذكرى عبد الرحيم، أن "كل قانون يجب أن تصدر معه تعليمات لتنفيذه، وبكل تأكيد سيتم وضع خطة عمل وتعليمات لتنفيذ القانون الجديد، وهناك نوافذ الكترونية في الوزارة ويتم استقبال المواطنين من أجل إتمام معاملاتهم في ما يخص القانون".
وترى عبد الرحيم، أن "هذا القانون يؤمن استقرارا اقتصاديا للعمال، والمشمولون بالحماية الاجتماعية سيتم معرفتهم عن طريق هذا القانون إذ يقلل الضغط على برنامج الحماية، وكذلك يساهم القانون في كشف العمال الذين لا يغطي عملهم قوت يومهم، لكي يتم ضمانهم بتسهيلات من الوزارة".
وتجد أن "القانون يحتوي فوائد كثيرة وسيعمل على مساواة العامل مع الموظف العادي، ويقلل أيضاً التهافت على التعيين الحكومي من خلال ضمان الحقوق التقاعدية لعمل القطاع الخاص".
يذكر أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، وجه أواخر العام الماضي، دائرة العمل والتدريب المهني بعدم ترويج طلبات جديدة خاصة بالشركات المرخصة بتشغيل العمالة الأجنبية، فيما بين أن الوزارة بصدد وضع آليات دقيقة وفقا للقانون، تضمن تشغيل العاطلين عن العمل من العراقيين قبل منح أي فرصة للعمالة الأجنبية.
جدير بالذكر، أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، شدد على ضرورة تطوير الصناعة العراقية، وأورد هذا الأمر في منهاجه الوزاري، لكن بالمقابل اتجه إلى فتح باب التعيين للوظائف الرسمية، وتركزت جميع التعيينات على الوظائف الإدارية، حتى ارتفعت قيمة رواتب الموظفين بنحو 50 بالمئة، وسط استمرار تعطيل المعامل الرسمية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟