بقلم: علي حسين
قبل أكثر من عشر سنوات من الآن، كان العراقيون يشاهدون السيد مشعان الجبوري، يجلس فى الاستديو الخاص بقناته التلفزيزنية معلناً الحرب على "الكفرة" الأمريكان، مطالباً جميع العراقيين بأن يستمعوا إلى خطاباته لأنها وحدها التي ستطرد الغزاة، وكنت، ولسذاجتي من الذين صدّقوا أن السيد مشعان الجبوري مصمم على أن يطرد آخر جندي أميركي من العراق.
لكني صحوت ذات يوم لأشاهد السيد مشعان يظهر، بلحمه وشحمه، وهذه المرة من على قناة عربية ليخبرنا، نحن الذين صدقنا أن التغيير سيجلب لنا الكفاءات والإعمار والخير والأمن والأمان وينسي هذا الشعب سنوات الحروب والدكتاتورية والخوف، بضرورة مساندة البرلمان والتجربة الديمقراطية في العراق، وليحذرنا من الاقتراب من كرسيه، فهو مستعد أن يخوض حرباً شعواء لإقامة "دولة الاصلاح". بعدها بسنوات قليلة شاهدنا مشعان يجلس هادئاً يبتسم لمذيع إحدى الفضائيات، يشرح له كيف أن السياسيين العراقيين خدعوه في لحظة ضعف، ما جعله يغض البصر عن التزوير الذي يحصل في الانتخابات حسب قوله.
وحين يسأله المذيع: ياسيد مشعان ألم تقل قبل أعوام إن البرلمان العراقي أنزه برلمان؟ يبتسم مشعان ويقول "ياعزيزي المرحلة آنذاك كانت تتطلب مثل هذا الكلام".
ولم يمر عام على الطلاق مع السياسة حتى ظهر مشعان هذه المرة باعتباره المتحدث الرسمي باسم الإصلاح، وظل يهتف ليل نهار: إذا أردتم أن تكونوا وطنيين، فاهتفوا كما أهتف أنا في الفضائيات "عاش الإصلاح وليسقط الفساد"، وقبل هذا الهتاف اعترف لنا مشعان بأنه حصل على رشوة صغيرة "ملايين من الدولارات"، وفي كل هذه المسيرة الظافرة التي دخل فيها قبة البرلمان خمس مرات كان مشعان مطمئناً إلى أن لا أحد يقول له لماذا تتغير قناعاته بين انتخابات واخرى؟.
غير أن الأمور لم تمضِ كما أراد لها السيد مشعان الجبوري، فقد ضجّ النواب وهم يشاهدونه يخرج من فضائية ويدخل أخرى، فكان لا بد من أن تصدر المحكمة الاتحادية قراراً بإلغاء عضوية مشعان الجبوري بسبب تزويره لشهادته المدرسية.
أعترف للسيد مشعان ولكم بأنني شخصياً، معجب به وخصوصاً وهو يجلس في الاستديو يتشنّج كالعادة، ويصرخ: "جميعنا نتحمل المسؤولية، جميعنا نساير، جميعنا نكذب، جميعنا نزوِّر، جميعنا نأخذ رشوة".
في كلّ لقاء تلفزيوني يعطي مشعان شيئاً من أريحيّته ويمنحنا نحن المشاهدين الكثير من الابتسام، فهو لا يحضر إلى الفضائيات إلاّ وقنبلة إعلاميّة يُخبّئها في جيب سترته، وهذه الأيام كانت القنبلة أن الأمريكان أرسلوا له مصطفى الكاظمي عام 2011 ليقنعه بالعودة إلى البرلمان، ويبدو أن السيد الجبوري يعتقد أن العراقيين لا يملكون ذاكرة وأنه لم يخبرهم ذات يوم بأن راعي صفقة عودته إلى العراق كان السيد عزة الشابندر، وان الذي سمح له بالعودة هو نوري المالكي وليس الامريكان.