- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم التاسع من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم اجعل لي فيه نصيباً من رحمتك الواسعة، واهدني فيه لبراهينك الساطعة، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة).
تضمن الدعاء محطات مهمة سنتعرض إليها على نحو الإيجاز:
1 - الرحمة الإلهية: (واجعل لي فيه نصيباً من رحمتك الواسعة). إن لعلماء الكلام تعريف لها، حيث قالوا أن الرحمة هي انفعال خاص يعرض على قلب الإنسان عند مشاهدة نقص أو حاجة، وحينها يندفع الإنسان لرفع ذلك. فعندما يشاهد الإنسان فقيراً ما يتضور جوعاً أو يتيماً يصارع الحياة أو مريضاً أقعده مرضه، حينها تعرض على الإنسان حالة من الرقة فيندفع لتغيير هذا الواقع، وهذه الرقة هي الرحمة عند الإنسان. أما الرحمة عند الله عزوجل فقالوا : أنه تعالى ليس محلاً للحوادث، فإذا أطلقت هذه الكلمة على الله تعالى أريد العطاء والفيض الإلهي على الوجود غير المتناهي لرفع الحاجة والنقص عن العبد، دون ملاحظة الأوصاف الإنفعالية، لأن الإنفعالات خاصة بالإنسان وليس بالذات الإلهية المقدسة, وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) الى هذا المعنى في وصف الذات الإلهية المقدسة بقوله: (رحيم لا يوصف بالرقة). لأن الله عز وجل ليس محلاً للحوادث, ورحمة الله عز وجل تنقسم الى قسمين:
-الأول: رحمة رحمانية متجلية للجميع من الذرة إلى المجرة وتشمل المؤمن والكافر د، وهي الرحمة (الرحمانية) المشتقة من الرحمن.
- الثاني: والرحمة الرحيمية التي تخص المؤمن فقط، والمشتقة من الرحيم، وهذه الأخيرة تشمل العطاء المعنوي المتميز وهذا لا يعطى إلا لثلة قليلة. (ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا و ما فيها)، هذا عطاء خاص، وفيض معنوي لمن استيقظ من المؤمنين في الليل.
وجاء في أدعية النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) تضمين مكثف لصفة الرحمة في أدعيتهم: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ). و(وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). و(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). فنجد تضميناً مكثفاً لصفة الرحمة الإلهية للتوسل بها إلى الله، لذا نهرب إلى الله عز وجل برحمته ونتوسل إليه بأبواب رحمته وهم النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام), وهم مظهر الرحمة الإلهية في الوجود بأسره.
٢- البراهين والأدلة الواضحة: (واهدني فيه لبراهينك الساطعة..). المبتدؤون في معرفة الله عز وجل يثبتونه ببرهان ودليل العلة والمعلول، أما الصالحون والعارفون لا يحتاجون إلى هذا الدليل، بل أن دليلهم عليه هو الفطرة السليمة، وهذا ما أشار إليه الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة: (مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ). وهذا هو البرهان الذي أشرق في القلوب فأزال كل شيء من القلب خلا ألله عز وجل. وقد جاء ذكر البراهين الساطعة بعد الرحمة الإلهية لان الهداية للأخذ بالأدلة الواضحة هو في حقيقته مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية على العبد، لأن هذه البراهين الفطرية أخذت الإنسان في طريق النجاة من الضياع و متاهات السبل والمنهجيات المنحرفة, وقد جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (إهدنا الصراط المستقيم) قال (عليه السلام): (أَدِمْ لَنَا تَوْفِيقَكَ، الَّذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِيمَا مَضَى مِنْ أَيَّامِنَا، حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا).
وفي هذا المقطع من الدعاء دلالة واضحة على وجوب تحصيل معرفة المعتقدات بالإستدلال العقلي ورفض الأخذ عن الآباء في الأمور الإعتقادية كي لا تجرنا الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة وتبعدنا عن ديننا الحق، لأن معرفة الدين بالدليل يثبت اليقين به وهو أحد ضمانات الإستقامة لمعرفة الحق وعدم حصول الإلتباس في المعتقد الحق.
٣- تحصيل مرضاة الله عز وجل: (وخذ بناصيتي إلى مرضاتك). الدعاء هنا يعلمنا الإلتجاء إلى الله عز وجل والإقبال عليه وأن يأخذ هو بنواصينا إليه ويهدينا إلى الحق وإلى دينه القويم لا أنفسنا فإنها أمارة بالسوء ولا بأعمالنا، ولا بأنسابنا، بل يأخذنا إليه برحمته ولطفه وعنايته, ومن المعلوم أن هذا الأخذ والهداية إليه لازمه هو الرضا عنا، رضى عنا فأخذ بنا إليه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، ورضا الله تعالى لا يتحقق إلا بطاعته واجتناب معاصيه، وهذه المرضاة لابد من تحصيلها بإتيان جميع عمل يحقق رضاه تعالى ليشمل إتيان كل الواجبات والمستحبات والسنن والآداب وفضائل الأخلاق و المحمود من الأفعال، لا أنه يأتي ببعضها ويترك بعضها الآخر كأن يصلي ويترك فريضة الخمس أو المرأة تصلي وتترك فريضة الحجاب.... وهكذا، وبدليل الملازمة اجتناب كل ما يوجب سخط الله عز وجل من المعاصي والآثام.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر