بقلم:عباس الصباغ
شاءت المقادير الجيبولوتيكية ان يقع العراق في قلب الشرق الاوسط ويُحاط بمنظومة اقليمية وجيوسياسية متناقضة سياسيا / طائفيا / ديموغرافيا ابرزها عملاقا تلك المنظومة ايران والسعودية واللذان شهدت علاقاتهما توترا دبلوماسيا واضحا ومستمرا منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران ( 1979) ، ومنذ ذلك التاريخ لم تكن العلاقة بينهما على مايرام على خلفية حرب الخليج الاولى (1980 ـ 1988) واتهام السعودية بالانحياز الى نظام صدام في تلك الحرب ، ورغم ان تلك العلاقات انقطعت منذ عام منذ عام 2016 بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران بسبب إعدام الرياض رجل الدين الشيعي العلامة النمر ، وتحميل السعودية ايران المسؤولية عن هجمات صاروخية وبطائرات مسيرة (درون) على منشآت نفطية بالمملكة عام 2019، وهجمات على ناقلات في مياه الخليج العربي فبقي كلاهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الاقليمية أبرزها ملفات النزاع في اليمن وسوريا ولبنان والبحرين والعراق ، وقد مرت العلاقات الإيرانية ـ السعودية بمراحل عدة اخذت طبعا تصعيديا دمويا في الغالب ، ولكن نظرا للتحولات الدولية والاقليمية وانعكاسها على الإقليم ارتأت الدول الكبرى قرارا بالتهدئة في الإقليم وخاصة بعد حرب اليمن. الا ان اعادة الروح الى تلك العلاقات لم تكن سهلة وذلك من خلال الراعي الصيني وجهود كل من سلطنة عمان والعراق والذي اكد مرارا على انه لن يكون منطلقا لتهديد أي جهة ويتطلع إلى شراكات اقتصادية عميقة ومستدامة، تجمعه بشعوب المنطقة كلها، لاسيما وان الولايات المتحدة كانت تنظر بعين الريبة والشك والبرود للطرف المناوئ لها (ايران) وكما صرح المتحدث باسم مجلس الامن القومي: (بوجه عام، نرحب بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط) وهي اشارة غامضة لمستقبل تلك العلاقة وليست بعيدة عن تجاذبات ماراثون الملف النووي الإيراني ولكن الاعلان لاعلاقة له بالطموحات النووية الإيرانية كما "يبدو" . ومن المفرح ان الاتفاق قد تضمن تأكيد الطرفين على "احترام" سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقع عام2001، إضافة إلى اتفاقية اخرى سابقة للتجارة، والاقتصاد، والاستثمار، ويساهم في إعادة التوازن الأساسي للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط، اذ ادرك كل من البلدين ان عليهما التفرغ لترتيب بيتهما الداخلي اولا، فالمكاسب المنتظرة من السلام أكبر بكثير من المخاطر الناجمة عن استمرار العداء بينهما ، وهو ما تمنّته كافة الدول كما شكل صفعة مدوية لإسرائيل وخيبة كبيرة لآمالها ولخططها في المنطقة خاصة مع السعودية .. وهو خطوة يمكن أن تؤشر لمرحلة جديدة إيجابية في العلاقات الثنائية قد تكون مفيدة للإسهام في تحقيق قدر من الاستقرار إقليمياً ، ويؤسس لهدوء سياسي يخدم مصالح شعوب ودول المنطقة والعالم فقد دفعَت شعُوب المنطقة أَثماناً باهِظةً جدّاً ومنها العراق واليمن ، فضلا عن التراشق الاعلامي والسيبراني والتلويح بالفصائل المسلحة واستعراض العضلات . اللاعب الصيني ذو الدور الاستراتيجي والحيوي ـ وتراجع اللاعب الأمريكي لأسباب تكتيكية ولتفرغها في محاور اخرى كاللازمة الاوكرانية ـ كان حاضرا في عملية التطبيع الذي اشترط عدم الخوض في حروب الوكالة او التعرض للطرف الاخر ولحفظ ماء وجهيهما بالمعنى الادق فالسعودية تورطت حد النخاع في المستنقع اليمني بينما ايران مازالت تئن من العقوبات الاقتصادية الامريكية التي جعلت عملتها الوطنية في الحضيض ناهيك عن العزلة السياسية والدبلوماسية الخانقة وسبب تداخلاتها الجيوسياسية / الطائفية في المنطقة . (السعودية وايران) هما عملاقا الشرق الأوسط والعمود الفقري لمنظمة اوبك ومنجم العالم للطاقة فلابد من ان يتحرك الجميع لاحتواء ازماتهما قبل ان تندلع حرائق النفط ويشتعل الشرق الاوسط برمته ومعه العالم.
أقرأ ايضاً
- لماذا الاصوات المعتدلة لا تاخذ استحقاقها الاعلامي؟
- الدبلوماسية العراقية بعد 2003: إعادة توجيه أم ضياع البوصلة ؟ - الجزء الثاني عشر
- الدبلوماسية العراقية بعد 2003: إعادة توجيه أم ضياع البوصلة ؟ - الجزء الحادي عشر