تمثل المخطوطات التي تزخر بها خزانة العتبة العلوية المقدسة تراثا إسلاميا مهما ومستودعا لكنوز المعرفة الإسلامية والجهد الفكري لعلماء مدرسة أهل البيت طوال إلف عام من تاريخ تأسيسها والتي تعددت أسمائها على مدار القرون فسميت تارة بالخزانة الغروية وأخرى بخزانة أمير المؤمنين وخزانة الصحن الحيدري والمكتبة العلوية والمكتبة الحيدرية وغيرها من الأسماء .
يرجع المؤرخون تاريخ الخزانة العلوية الى نهاية القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع بالتزامن مع تأسيس الحوزة العلمية الشريفة ، وبمر السنين ضمت الخزانة نحو أربعين ألف كتاب يمثل مختلف العلوم الإسلامية ولكنها تضاءلت بعد تعرض المشهد العلوي الشريف لحريقين التهما جانبا كبيرا منها في اوائل القرن السابع ومنتصف القرن الثامن .
يقول السيد علي جهاد عضو مجلس ادارة العتبة العلوية المقدسة والمشرف على الخزانة ومشفى الكتاب لموقع نون (ان النجف الاشرف تعد واحدة من اهم خزائن العالم في المخطوطات التي تزخر بها مكتباتها وبيتواتها خصوصا في خزانة العتبة العلوية التي اصيبت بعدة حرائق كبيرة التهمت جزءا كبيرا منها في بداية القرن السابع الهجري الى منتصف الثامن .
ويضيف السيد جهاد : أعيد تأسيس الخزانة العلوية في عام سبعمائة وستين هجرية بما تم إنقاذه من الحريق وأضيف لها كتب أخرى من كبار العلماء والملوك آنذاك ولكنها بمر السنين تعرضت للإهمال والضياع والتلف حتى نهاية ستينيات القرن الماضي بعد ذالك خصوصا في عهد النظام البائد تعرض الكثير منها للسرقة لدواعي ودوافع عديدة وحينها تم تشكيل لجنة وخزنت في احدى غرف الصحن الحيدري الشريف الحصينة تحت الارض للحفاظ على ما تبقى ولكن طريقة الخزن كانت سيئة للغاية وبقيت هكذا حتى عام 2008 تم تشكلت لجنة من رئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزراء والجمهورية والمرجعية الدينية والامان العامة للعتبة العلوية وفتحنا الغرفة الحصينة التي خزنت فيها المخطوطات اضافة الى تحف وهدايا ملوك وامراء فوجدنا ما بقي من الخزانة 767 مخطوط من بينها 560 مصحف الكثير منها بحالة سيئة )
وحاليا وصل عدد المخطوطات في الخزانة العلوية الى اكثر من الف مخطوط بعد اهاء اية الله السيد مهدي الخرسان اكثر من مئة وخمسون كتاب مخطوط اضافة الى هدايا العلماء والمؤمنين .
ضمت الخزانة مخطوطات نادرة جدا ففيها مصاحف شريفة تمثل مختلف العصور الإسلامية منها مصحف كتب في بداية القرن الهجري الأول ينسب خطه الى الإمام علي عليه السلام ومصحف يعود الى القرن الثاني ينسب الى الإمام الصادق عليه السلام مرورا بالقرن الثالث وارابع والخامس الى قرننا الحالي .
[img]pictures/2011/08_11/more1314536594_1.jpg[/img][br]
للحفاظ على هذا التراث الإسلامي الضخم الذي لا يقدر بثمن تبنت الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة إنشاء مشفى متخصص بعلاج المخطوطات التي تعرضت طوال قرون لسوء الخزن والإهمال لصيانتها وترميمها بالطرق المختبرية الحديثة في عام 2009.
تبدأ أولى مراحل علاج المخطوط بفهرسته ووضع بطاقة تعريفية به ومن ثم مرحلة التصوير لتوثيق المخطوط وخزنه على الحاسوب ومن ثم إرساله الى المختبر لتقييم لأضرار وعلاج ما لحق صفحاته من فطريات وأرضة وإزالة البقع العالقة .
عن اعمال المشفى ومراحل العمل فيه قال مسؤل شعبة ترميم المخطوطات السيد هاشم محمد مرتضى لموقع نون (اول عملية نقوم بها لمعالجة المخطوط المراد ترميمه نضع له بطاقة تعريفية في وحدة الفهرسة يكتب فيها عمر المخطوط واسم المؤلف والناسخ ونوع الكتاب وهل هو ناقص او كامل بعدة اجزاء ام جزء واحد وما هو نوع الضرر الذي لحق به ، بعدها يرحل الى وحدة التصوير وهناك يتم تصوير الكتاب وبعد ذالك وحدة المختبر واول عمل نقوم به نضع المخطوط في جهاز التعفير لمدة 24 ساعة وهذه الوحدة تنقسم الى قسمين كيميائي وبايلوجي في القسم الاول نقيس(bh) أي حموضة الورقة ونوع الحبر هل هو كاربوني او فحمي هل يتأثر بالماء والسوائل المستخدمة للعلاج او لا ، والقسم الاخر يدرس نوع الفطر او الحشرة التي اصابت الكتاب ونقوم بزرعها لمعرفة هل هي نادرة ام معروفة لنقوم بوضع العلاج الملائم لها )
واخيرا الى وحدة الترميم التي يتعامل فيها الفني مع الكتاب المخطوط بدقة وصبر ومهنية عالية تكشف شغف العاملين بتقديم أفضل ما لديهم من خبرات لإعادة المخطوطات الى سابق عهدها من دون المساس بجوهرها ، المخطوط الواحد يستغرق العمل فيه احيانا عدة اشهر من العمل المتواصل.
يقول صلاح الخاقاني مسؤل وحدة الترميم لموقع نون يحرص العاملون في هذه الوحدة على تحضير ما يحتاجون اليه في عملهم من مواد كالأصباغ والصمغ في المختبر بالاستفادة من الأعشاب والنباتات التي تتماسك مع الياف الورق المراد معالجته ويصبح بعد المعالجة كانه قطعة اصلية من الورقة المعالجة التي تعرضت لثقوب نتيجة الاصابة بالارضة او الفطريات .
السيد حيدر الوائلي يؤكد ان اعمال الترميم معظمها يتم بطريقة يدوية الا في حالات نادرة تدخل الماكنه في عملنا ففي وحدتنا نطالع بطاقة التعريف بالكتاب ونبدأ مراحل الترميم ورقة ورقة حتى يتم اكمال المخطوط بشهر او شهرين وربما اكثر ومن ثم في وحدة التجليد يتم إكمال المرحلة الأخيرة في عملية الصيانة يكون بعدها المخطوط بحلته الجديدة بمكانه المخصصة في رفوف مكتبة الخزانة العلوية .
يقع المشفى في الجهة الغربية من العتبة العلوية وهو في سرداب تحت الارض ينقسم الى خمسة اقسام مجهزة بحميع الوسائل الحديثة التي تدخل في عملية ترميم المخطوطات والكتب القديمة ويؤكد المختصون ان هذا المركز الفريد من نوعه أول مشفى متخصص بترميم المخطوطات وعلاجها في العراق بهذا الحجم والإمكانات.
القائمون على المشفى يأملون إنهاء مهامهم سريعا بصيانة جميع موجودات الخزانة العلوية والانتقال لاحقا الى باقي مكتبات المدينة وعموم العراق لترميم مخطوطاتها المعرضة للاندثار.
تحقيق /صباح التميمي .
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)