بقلم: د. علاء هادي الحطاب
نُصابُ بالدهشة عندما نرى من خلال وسائل الاتصال المرئيَّة أو من خلال المشاهدة المباشرة، لالتزام المواطنين في بلدان العالم المتحضرة بالقوانين المروريَّة، رغم أننا لا نشاهد رجال المرور في تقاطعات الإشارات الضوئيَّة المروريَّة، ولا نشاهد سيطرات “مشتركة” ولا نشاهد كذلك سيطرات لرجال المرور تدقق في سلامة الموقف القانوني للمركبات وسائقيها، ومع ذلك فلا نجد سائقاً يتجاوز الإشارة المروريَّة ولا يقف في الشارع العام حسب مزاجه ورغبته، ولا سيارات تتجول بلا أرقام، وحتماً لا نجد سائقاً يقود مركبته عكس اتجاه السير و”بكيفه” بل أنَّ بعض تلك الدول باتت تحاسب على ارتفاع صوت مسجل السيارة وانبعاث الدخان من بعضها، كل ذلك من دون رقابة مباشرة من رجال المرور، لأنَّ تطبيق القانون المروري تحول إلى ثقافة متأصلة في شخصيَّة الفرد لديهم، فضلاً عن وجود نظام رقابة إلكتروني من خلال انتشار الكاميرات الرقميَّة في جميع الشوارع المهمَّة والمرتبطة بنظام حوكمة يسجل المخالفين وينفذ قانون العقوبات الخاص بكل مخالفة من دون تدخلٍ بشري.
إحدى وسائل مكافحة الفساد هي إبعاد التدخل البشري بين مقدم الخدمة والمستفيد منها في جميع المراحل والقطعات، إذ يمنع هذا التدخل البشري الابتزاز والرشوة وعدم تطبيق القانون لاعتبارات ماديَّة أو شخصيَّة.
ما يحصل في العراق هو توصيفٌ حقيقيٌّ للفوضى المروريَّة بكل تفاصيلها وتجلياتها، فلا التزام بإشارات المرور ولا التزام بأماكن الوقوف المخصصة في الشوارع العامَّة، أرقام السيارات لا تزال متنوعة وغير موحدة، سيارات الحمل الثقيل تزاحم السيارات الصغيرة في الشوارع المزدحمة، لا وجود لسرعة محددة في الشوارع الداخليَّة والخارجيَّة، رجال المرور أغلبهم يبذلون جهوداً في تقاطعات الشوارع من دون فائدة فلا يمكن تنصيب رجل مرور في كل تقاطع وشارع وعلى كل سائق سيارة، وعدد منهم استغل وظيفته وارتشى من قبل أصحاب سيارات النقل الجماعي المتوسطة كالكوسترات والكيات الذين هجروا الكراجات المخصصة لهم وتجاوزوا على الشارع العام في منظرٍ فوضوي على بعد أمتارٍ فقط من مفارز وسيارات المرور، والأمر كله خاضعٌ للتخادم بين صاحب المركبة ورجال المرور المرتشين منهم.
وجود “التكتك والستوتة” زاد الطين بلَّةً فهولاء لا يحترمون الشارع ولا المارة ولا السائقين وأغلبهم من المراهقين الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ18 عاماً بل أنَّ أغلب تلك “التكاتك” أصلاً غير مسجلة وغير مرقمة وسائقوها لا يملكون إجازات سوق. الدراجات الناريَّة هي الأخرى مشهدٌ فوضويٌ في نوعياتها وسائقيها وغياب تسجيلها، السرعة الجنونيَّة في الطرقات الخارجيَّة يومياً تودي بحياة العشرات من الأفراد، وغيرها من مظاهر حولت الشارع العراقي إلى فوضى كبيرة.
إذا أردنا حقاً أنْ نبني دولة تحترم الإنسان ويُطبق فيها القانون فعلينا أولاً وأولاً البدء بتنظيم الواقع المروري في شوارعنا، فمن هنا يبدأ تطبيق القانون والالتزام به حتى يتحول إلى ثقافة بعد جيلين أو ثلاثة. وهذا الأمر ليس عسيراً ولا مستحيلاً، ولكنْ نحتاج إلى تشريعات صارمة وتنفيذٍ نزيهٍ، ووسائل تنفيذ تقنيَّة حديثة، تبدأ بالكاميرات في جميع تقاطعات وشوارع بغداد مروراً بتنظيف القطاع المروري من المرتشين والمفسدين وصولاً إلى حوكمة إداريَّة سليمة لهذا القطاع الذي يلامس حياة المواطن والوافد الخارجي على حدٍ سواء، فعندما يشعر المواطن بقوة القانون والالتزام به في شوارع مدينته سينعكسُ ذلك على التزامه بقوانين أخرى، وكذلك سينعكسُ على مستوى الرضا والقبول بالسلطة وهذا الرضا يُعدُّ اليوم أهم مصادر شرعيَّة أية سلطة تؤدي وظائفها التي وجدت من أجلها.