- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بعد ثاني أكبر سرقة في تاريخ البلاد.. دعوة لتأسيس محكمة لتاريخ النفط في العراق الحديث
بقلم: عماد عبد اللطيف سالم
بمناسبة اكتشاف ثاني أكبر سرقة في تاريخ العراق الحديث بقيمة 3.7 تريليون دينار (2.5 مليار دولار) من حساب الامانات الخاص بالهيأة العامة للضرائب في مصرف الرافدين..
دعوة لتأسيس محكمة لتاريخ النفط .. في العراق الحديث
بعض الأحلام بسيطة جداً.. وقابلة للتحقّق.. مثلاً: تأسيس محكمة لتاريخ النفط في العراق الحديث.
محكمة نضعُ في أقفاصها، ونحاكم من خلالها، كُلّ الأنظمة السياسية، وكل الكيانات "الشخصية" و المُجتمعيّة -"الماديّة" و"المعنويّة"، التي تعاقبت على التحكّم بالريع النفطي، وإدارة العائدات النفطية، بحيث تتم مساءلتها ومحاسبتها عن كلّ بِنْسٍ وسَنْتٍ وفِلسٍ قامت بإنفاقه منها.. منذُ أن تدفقّت أولُّ قطرة نفطٍ فوق تراب العراق (في عام 1927) وإلى هذه اللحظة.
تأسيس محكمة لتاريخ النفط في العراق الحديث.. ليس هنا.. بل في بلاد أخرى تحترم نفسها، وتحترم قضايا، وموضوعات، وانشغالات كهذه. محكمة يُنجِزُ أوراقَ التحقيق فيها، لا سياسيون لصوص، ولا ملوك طوائف، ولا تجّار حروب، ولا "مقاولين" متطفّلين على موائد هؤلاء اللئام.. بل باحثين مهنيّين ومهتمّين بهذا الشأن.. يؤمنون بأنّ هذه القضيّة هي جزء من همّهم الشخصي، ووظيفتهم المعرفية، وجهدهم الأكاديمي، وتعبهم النبيل، المُنَزّه عن أيّة غاية مُلتبِسة، أو هدفٍ نفعيّ، أو تخادُمٍ مصلحيّ .
إنّ "المجرمين" بحقّ العراق، هم ليسوا فقط، أولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب، أو جرائم إبادة، أو جرائم ضد الأنسانيّة .. بل هُم أولئك الذين استخدموا الريع النفطي لإنتاج (وإعادة انتاج) الطغاة واللصوص والقتَلَة. هؤلاء الذين أوغلوا بمالنا ودمنا، وانتهكوا كرامتنا، وفرّطوا بأرضنا ومواردنا، وأضاعوا علينا مائة عام من التنمية والرفاه والتحضّر.
هؤلاء هم من ينبغي وضعهم في "الأقفاص"، وتوجيه التُهَم إليهم بأثرٍ رجعيّ. تُهَم الخراب الطويل الأجل التي لا تسقطُ بالتقادم، ولا يطويها نسيان التواطؤ مع الذين أهدَروا فُرص الحُلم بعيشٍ أفضل، في هذا البلد المتخم بالخيرات والإمكانات والمواهب.
إنّ كلّ جذور خرابنا الراهن، قد تمتْ سقايتها ورعايتها، عن طريقِ إنفاقٍ حكوميٍّ أرعنٍ، ويفتقرُ إلى الكفاءة والإنضباط والحساب الإقتصاديّ السليم.
إنّ "أرشيف" الأنفاق العام (لكلّ بنسٍ و سنتٍ وفلسٍ ودينارٍ وجُنيهٍ ودولارٍ) من موازنات العراق "الباذخة".. لم يُتلَف أو يندَثِر بعد.
أمّا ما يمنحُ "الحصانة" من المساءلة، ويمنعُ السَوْقَ إلى المحاكم، فهو إدراكُ أولئكَ الذين ارتكبوا جرائم الهَدر، بأنّ لا أحد يمتلك الجرأة الآنَ على تقليبِ الدفاتر، والقيود، والحسابات، والمواجع، في هذا البلد المقهور، المغلوب على أمره. وهكذا فقد ترك هؤلاء اللصوص "المبتدِئون" كلّ شيءٍ على حاله، لأنّهم لا يعرفون أنّ لـ "البيانات الماليّة" ذاكرةً عصيّةً على النخر، وشفرةً غيرُ قابلةٍ للكسر.
وبإيهامنا بأنّهم "أقوياء" .. تناوبَت فيالق الأنذال على "نهبنا" في مراحل انحطاطنا المتعاقبة والسريعة، والقصيرة الأجل. وهكذا اختلفت الأسماءُ والنُظُمُ والعقائد، بينما ظلّ تقرير مصائرنا رهناً بأشدّ القوى ظلاميّةً، وبطشاً، وتخلّفاً، في هذا العالم .
وعندما تنتهي "المرافعة"، وتُرفعُ الأقلام، وتجِفُّ المصاحف، وتَبْرَدُ سنوات الجمر.. ربما سنكونُ قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح نحو تحقيق شيءٍ من الأنصاف للضحايا.. وشيءٍ من القصاص العادل لمن أصبحوا (على حين غفلة) ولاةُ أمرِنا لقرنٍ كاملٍ من الموتِ والظُلمةِ والعبث.
عندما تنتهي "المرافعة ".. سنقرأُ أسماءهم واحداً واحداً.
بعضهم.. سنعيدُ إليهم اعتبارهم.. ونُشيدُ بما عملوا وأنجزَوا.. ونصحِّحُ لهُم غُبنَ التاريخ، وظُلمَ الوقائع الكاذبة.
وبعضهم.. سنُلْحِقُ بهم العار.. بكل الوسائل الممكنة.
أقرأ ايضاً
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير