بقلم: عبد المنعم الأعسم
يتزايد عدد الداعين الى الحوار عبر المحافل السياسية والاعلام والمقاهي والتكيات، وحتى على صواني الولائم الباذخة، كضرورة، لا غنى عنها، ولا وسيلة ناجعة غيرها، ولا وصفة بديلة وقائية لها، ولا معبر الى برّ الامان من دونها، حتى غدت كلمة الحوار لغزاً هلاميا، او كلمة سرّ لا يعرف (أو لا يكشف) مفاتيحها حتى الذين يتحدثون بها، وصار المواطنون من "اهل الله" يتساءلون عن موعد حلول هذا الحوار الذي لا يعدو عن اجتماع، او لقاء، أو موعد متفق عليه على طاولة يحضرها ساسة من اصحاب النفوذ والادوار، وممثلو احزاب حكمتْ وصالتْ وجالتْ، واخرى جرى تلفيقها على عجالة، اضافة الى مسؤولين بعناوين يتجاذب حول مصيرها وحظوظها اللاعبون. ويحيط بمستقبلها مهب ريح.
موضوع الحوار المقترح (كما هو معلن) بريء ومقبول وطبيعي ويتمثل في معالجة الانسداد السياسي وتشكيل "حكومة خدمات" من جميع الاطراف ذات النفوذ من دون استثناء ولا استبعاد، ويتحدثون عن طرف واحد لديه شروط (غير مقبولة) لهذا الحوار هو التيار الصدري، وإذ لا يبدو للموضوع في سياقه هذا الكثير من التعقيدات، سيما ان الاجتماعات بين الفرقاء، المصغرة والموسعة، المعلنة والسرية، مستمرة في الصالات والمنازل والاستراحات بموازاة خدمة ناشطة من وسائل الاتصال وشبكة تقنيات الربط المتوفرة، والدوائر التلفزيونية سكايب وزوم وانستغرام ومختزلات النت يتداولون فيها الآراء والشؤون والامور بسرعة وكفاية ودقة.
اقول، فيما يحيط الدعوة للحوار حسن الظن فان السذاجة في مثل هذا الحال تلح بالسؤال العفوي عن المانع في التوصل الى اتفاق، حتى في غياب طرف من الاطراف، هذا إن لم يكن الحوار الذي يتحدثون عنه هو شيء آخر غير تبادل الرأي "وهات وخذ" وتصويب وتعديل، والبحث في المتبنيات والمشتركات والوقائيات من الاراء وما يشكل قواسم مشتركة للمضي في تشكيل الحكومة.. شيء يجري إخفاء حقيقته.
مرة اخرى، يبدو ان جملة الاسئلة حول الاسباب التي تقف دون هذا الحوار ساذجة، بل ومغرقة بالسذاجة، ذلك لأنها تتقصى عما هو معروف عن الحوار في التعريفات المدرسية حيث يشترط ان يكون المشاركون فيه مستعدون للمراجعة والتراجع والتنازل، ويحدد مرجع اللغة المسمى "تاج العروس" معنى الحوار في "تراجع الكلام" وفي اللغة "الرجوع عن الشيء" ويبدو ان لزوم الرجوع عن موبقات المرحلة السابقة بسياساتها وعقائدها الكارثية وابطالها الفاسدين الفاشلين هو الذي منع ويمنع عقد الحوار، ويبقيه لغزا اعلاميا من غير طائل.
لكن اعمدة الدخان التي ترتفع من بؤر الازمة السياسية وتتشكل على هيئة علامة استفهام حول جنس الحوار الذي يروجون له تتكشف عن حقيقة ان اصحاب الدعوة لا يخططون الى حوار منهجي لتصويب واصلاح مسار المرحلة، واجتثاث مكامن الشكوى، واسباب الفشل وضياع الثروة والسيادة، ولا الى تشكيل حكومة من ذوي الكفاءة والحيدة والنزاهة بل الى صفقة محاصصة تبرئ الذين اوصلوا البلاد الى حافة الاستقالة من الخارطة، وفي التفاصيل يأمل الداعون الى هذا الجنس من الحوار، كلٌ من زاويته، الى نيل حصته في عملية ترتيب واعادة هياكل النفوذ في السلطة، ما يشكل نقطة افتراق ونفاق وانشقاق.. واذا عُرف السبب بطل العجب.
استدراك
"إذا ركب اثنان معاً الحصان نفسه، فأحدهما يجب أن يكون في الخلف".
وليم شكسبير
أقرأ ايضاً
- البرامج الحوارية وإنطباعية الرتابة والتسطيح
- الكاظمي والحوار والكتلة الحرجة
- الكاظمي والحوار بين متقاتلين