أهل القطيف بالمملكة العربية السعودية، لهم مع ابي عبدالله الحسين (ع) ومصيبته الف حكاية وقصة، شربوا حبه مع حليب امهاتهم وتعلقوا بقضيته تعلق الجسد بالروح، زاروه وهم اطفال يقودهم ابائهم وامهاتهم، وقدموا الكثير خلسة وخفية في زمن النظام المباد وانفرجت الامور وفتحت لهم ابواب العشق الحسيني فكانوا يركضون خلف الزوار في الطرقات ليطعموهم وتطور الامر حتى بنوا حسينية في المدينة القديمة بكربلاء، وقدموا مختلف انواع الخدمات، وفجأة ضرب وباء كورونا العالم ومنع السفر وحرموا من زيارة معشوقهم وخدمته لثلاث سنوات قسرا، فأمتلكهم الهمّ والغم والحزن والبكاء واللوعة والحسرة وتأنيب الضمير وبكوا بحرقة ومرارة، وهذا العام انفرجت الامور وعادوا الى مواكبهم يقبلون جدرانها ويعيدوا الحياة لها ويعيدون الوصل مع الخدمة الحسينية.
خليط من الوجع
"شعورنا لا يوصف بعد ان حرمنا من حضور زيارة الاربعين لاول مرة منذ سقوط النظام المباد، وتكررت المأساة ونحن نحرم للعام الثاني والثالث هكذا بدا الحاج عبد الجليل عبد الله الماحوزي صاحب موكب خدام الحسين (عليه السلام) حديثه بوصف حال العاشقين من اهالي القطيف بالسعودية لوكالة نون الخبرية، ويقول "اصبح حالنا هو خليط من الحزن والالم واللوعة والصدمة والبكاء والانين، بل صرنا نشعر بألم الفاقدين وهذا الامر لم يكن يشعر به اصحاب موكبنا او عائلاتنا بل صار حزن عميق سكن قلوب اهل القطيف من محبي آل البيت قاطبة، لان زيارة الاربعين لها منزلة ووقع خاص في قلوبنا بالرغم من اننا نحضر في زيارات اخرى، وكانت مشاعرنا تهيج والالم يتجدد كلما مرت ذكرى استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) وكانت مجالس العزاء تضج ببكاء وعويل، لان الاجساد اصبحت في القطيف والارواح بقيت قرب ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) في كربلاء الشهادة وخاصة في زيارة الاربعين، وعندنا في الايام العشرة الاولى من المحرم في القطيف مجالس عزاء ومحاضرات ومجالس لطم وبكاء ونعي وتعازي الا انها لا تعادل ما نراه هنا في كربلاء الظيم وفي تلك الاجواء التي تحيي ذكرى المصيبة كل عام".
رسالة نصية
في القطيف يقتصر احياء الشعائر على يوم الاربعين فقط، وهنا نستمر لاكثر من عشرة ايام في اجواء كربلاء والحسين وزينب والسبايا وكل ايقونات المأساة، بهذا الالم يستمر الماحوزي بالحديث، ويكمل "بعد تكرار منع السفر في اغلب الدول ومنها الى العراق بسبب جائحة كورونا بدأ الاحبة والاصدقاء من العراق يرسلون لنا مقاطع الفيديو عن المواكب في كربلاء والزيارة ونتألم كثيرا لكن اكثر مقطع المنا هو ما ارسله شخص لا نعرفه من كربلاء جاء الى حسينيتنا ووقف عند بابها وبدأ ينادي علينا (وينكم يا خدام الحسين يا اهل القطيف مكانكم مهجور) وبكى بحرقة، فهاج الحزن والالم والبكاء والعويل معه من جديد واصبح هذا المقطع يتداول بكثرة في القطيف والكل يبكي عليه، وفي هذا العام 2022، وقبل اسبوع وحسب ما معمول به في بلدنا وصلتني رسالة نصيه في وقت الفجر تخبرني بالموافقة على تصريح سفري الى العراق".
دموع فرح وحزن
بهذه العبارة يكمل الماحوزي قصتهم قائلاً، "تملكتني فرحة عارمة لم استطع ان اخبأها وقمت على الفور بالذهاب الى محل تجاري لشراء لوازم للطبخ، وكان المحل مقفلا وبقيت جالسا ببابه حتى اشتريت ما اريد، وعلى الفور نقلت البشرى لاصحابي واهلي واعضاء الموكب والكل يبارك للكل، حتى ان احدهم اخذ يكبر في بيته من فرحته، وحضرنا في العاشر من صفر الخير وكنت اول واحد يصل الى العراق هذا العام، واستأجرت غرفة في فندق لاني اعرف ان المكان مهجور ويحتاج الى تنظيف وكذلك صدمة العودة ومشاهدة الموكب فارغا وكنت اتخيل كل لحظة سأمر بها وانا اتجول في قاعات الحسينية والمطبخ والغرف والمصلى حتى صار امرا واقعا ودخلت اليها والدموع تجري مختلطة بين الفرح والحزن فرح العودة وحزن المصيبة، وانا لا افكر بمستقبل اولادي وعائلتي بقدر ما افكر بالخدمة الحسينية في الزيارة الاربعينية حتى اني انساهم خلالها وتعاتبني ابنتي عن اهمالهم وهم يسكنون معي في الحسينية في غرفة بالطابق الثاني ولكني لا اراهم بل نتواصل بالهاتف فقط، وتجمعنا انا واخي واصحاب الموكب وقمنا بغسل المكان وتهيئته للخدمة وجهزنا كل امور الطعام والشراب وباقي المطيبات من السعودية، وعندما قدمنا اول وجبة طعام بعد العودة الى الموكب عادت لنا الروح وتملكنا الفرح والسعادة تغمرنا، واعدنا شريط الذكريات في بدايات الخدمة عندما استأجرنا شاحنة فاكهة تضم مئات الصناديق من الفاكهة ونركض وراء الزائرين لنوزعها عليهم، ثم نقدم وجبات في اي مكان نجلس به وقدمنا وجبات في مبنى قيد الانشاء في باب الطاق ومن ثم في شارع باب السدرة، وزعنا فطور صباحي والكص (الشاورما) في الغداء وفي شارع صاحب الزمان بنينا مضيف من الثرمستون وقدمنا مختلف انواع الخدمة".
عتاب المحبين
عاتبنا انفسنا كثيرا وتولدت اسئلة عدة عن الحرمان واسبابه هل هو تقصير ام امحتان ام ابتلاء وماذا يحصل معنا قالها بحسره عبد العزيز عبد الله الماحوزي، لوكالة نون الخبرية، واضاف، "نحن من اوائل الذين شاركوا بالخدمة الحسينية بعد العام 2003 وكنا تقريبا (15) شخصا منهم خمسة مؤسسي الموكب نأتي سوية الى العراق، ولدينا (ابو علي) الرجل العراقي من اهالي كربلاء الطيبين الذي تربطنا به علاقة قديمة منذ ستة وعشرون عاما ساعدنا كثيرا في تسهيل مهمة تقديم الخدمة، وكنا ننتظر بلهفة فتح الحدود وعودة السفر لان خدمتنا لا تقتصر في الاربعينية بل نقدمها في شهر رمضان وبعده ونوزع السحور والعصير والالبان واي مكان نسكن به نقدم الخدمة وكذلك في يوم عرفة وفي كل وقت ناتي لكربلاء نخدم الزوار، واثناء المنع عانينا كثيرا من الحرمان وعندما نجلس مع عائلاتنا ونشاهد مقاطع على اليوتيوب او بالتلفاز ونرى فيها الزائرين يسيرون ونتذكر خدمتنا سابقا نتحسر ونبكي بألم ومرارة وتهيج النفس وهي حالة اكبر من فقد العزيز لان العزيز ينسى لكن كيف ننسى الحسين (ع) فنبكي ونلطم ونعزي بعضنا فالروح والعقل عند الحسين (ع) والجسد في القطيف، وننقطع عن العالم الخارجي لا شعوريا".
سنوات الخدمة
انا لي ذكريات قديمة مع كربلاء المقدسة وزرتها منذ ستينيات القرن الماضي واتذكر عندما اصطحبني ابي وعمري ست سنوات وشاهدت في شارع السدرة تشابيه بني اسد ورفعهم للاسد وفرس الميمون وامور اخرى كثيرة، وابي عاشق للامام الحسين (عليه السلام) وكان يمتنع عن شراء جهاز التلفاز وكان يقول التلفاز هي مصيبة ابي عبد الله ولم يدخل التلفاز بيتنا الا بعد وفاته التي كانت في يوم ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي العام 1995 جئنا بحدود (250) زائر من القطيف بخمس باصات وفوجئنا بالدمار الذي لحق بكربلاء نتيجة قصفها وكنا نجمع الاموال ونوزع الملابس والطعام ولحوم الذبائح سرا بمساعدة اشخاص عراقيين على الفقراء والمتعففين لان العراق كان يمر بالحصار الاقتصادي، وعدنا بعد العام 2003 وبدأنا بتقديم وجبتين يوميا وكانت اعداد الزائرين قليلة وليس كما هو الان ونقدم بين الوجبتين وجبات خفيفة ووزعنا سندويجات الكص بحدود خمسة الاف سندويج كل يوم ولمدة ثلاث سنوات الى ان وفقنا الله قبل اعوام وحصلنا هذه الارض ومساحتها اكثر من (300) مترا مربعا بطريقة المساطحة لمدة عشر سنوات وبنيناها بتصميم يستوعب الكثير من الزائرين ويمكننا من تقديم مختلف الخدمات وفيها قاعتين للرجال والنساء ومصلى ومطبخ للرجال وآخر للنساء وصحيات وغرف لعائلاتنا ومخازن، وبدأنا نوزع ثلاث وجبات ونقيم مجلسي عزاء في الظهيرة والمساء وصارت ملتقى لكل اهالي القطيف والاحساء وزوار الخليج ومفتوحة للصلاة والخدمة لكل الزائرين، واصبح الخدام من ابنائنا ومعارفنا يصل الى خمسن شخصا وعشر نساء من عائلاتنا تخدم النساء وتعطيهن فرصة للخدمة واستعدينا لتقديم افضل الخدمات هذا العام وبما لا يوجد في باقي المواكب وما يريده الزائر، لاسيما ان عدد الزائرين يزداد يوميا".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟