- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
آخر الرطانات: السياقات الدستورية
بقلم: عبد المنعم الأعسم
أدخل المهزومون المتمسكون بمنظومة حكم الفساد والجاهلية الدعوة الى اصلاح النظام السياسي واعادة بناء الدولة وحل البرلمان واجراء الانتخابات المبكرة في رطانة لا أول لها ولا آخر، تبدأ من اللوذ ببدعة «السياقات الدستورية» وتمرّ بكوميديات الاجماع الوطني ثم بإعادة الثقة المُصفّرة بين القادة السياسيين و»المكونات» واصحاب الحل والربط، ثم تنتهي (وهو المطلوب) بـإبقاء الحال على حاله واعلان «استحالة الاصلاح خارج السياقات الدستورية» لأنه حسبهم يفتح البلاد على الفوضى وضياع ما تحقق من منجزات، اما البديل واعادة المياه الى مجاريها فبالمفاوضات.. ولا غير المفاوضات.
ومن رطانة يتقاذفون بها الى رطانة اخرى يبتدعون «التقعير» بها يُطرح الدستور كطريق سحري للحل، فيما يعرف الجميع ان هذا الدستور بتضارب نصوصه وغموض احكامه ودس العشرات من مواده في ثلاجة التعديلات التي طال زمنها على ما يقرب من عقدين منذ التصويت عليه، لم يضمن (ولا مرة واحدة) العمل والالتزام ببناء الدولة، ولجم الفساد، وردع اصحاب السلاح المستقوي بجهات خارجية، كما لم يشكّل موئلا للمظلومين والمهانين ومحبي بلادهم، والحال، فقد تحوّل الدستور من ضامن للسلم الاهلي الى عائق للتفاهم وحل المشكلات، والسبب في ذلك ان غالبية نصوص وأبواب الدستور وُزعت كأسلاب محاصصة بين الفرقاء، فلكل فريق مواد دستورية يتمسك بها، مقابل مواد يدعو الى تغييرها، فيما فشلت جميع اللجان والهيئات والمشاريع واربع دورات برلمانية في التوصل الى «تعديلات» متوافق عليها، باستثناء وعود لا تعدو هي الاخرى عن رطانات محسّنة.
السؤال التفصيلي هو: اذا كان هذا هو حال الدستور وسياقاته طوال هذه السنوات والدورات الانتخابية، فماذا تبقى للفاشلين، المهزومين، المطلوبين للحساب، من بُدع لكي يجعلوا من عبارة «سياقات الدستور» مُخدرا للملايين العراقية المهانة، والمتمردة.
في «لسان العرب» وردت «الرطانة» كإسم فاعل من «تراطن» وتعريفها هو: المخاطبة بلغة أخرى بين اثنين لا يفهمها الجمهور، وقد قال الشاعر: «كما تَراطَنَ في حافاتِها الرُّوم» والرَّطَّان والرَّطُون، بالفتح: الإِبل إذا كانت رِفاقاً ومعها أَهلوها، وانشد الجوهري بالقول: «رَطَّانَة من يَلْقَها يُخَيَّبُ» ويُعتقد ان الرطانة من بعض التقعير، وتابعنا مضاحكة على لسان انصاف المتعلمين من المدافعين عن «آليات الدستور» حين تحدثوا بعربية غائرة، باعتبار ان التقعير (في لسان العرب) ان يتكلم المرء باقصى قعر فمه، ويذهب القالي (ابو علي) الى ان الذي يرطن بالتقعيب «يصير فمه كالقعب، وهو القدح الصغير» حيث «يحتوي الكلام على ما ينفر السامع لغرابته».
قبل يومين كان صاحبُ رطانةٍ وتقعير يقول لمشاهديه عبر الشاشة الملونة: ان هناك «مكيدة» تحاك ضد السياقات الدستورية.. وفي لسان العرب: من يتحدث كثيرا عن المكائد يخفي المكائد لغيره.
استدراك:
«أحياناً أتعرَّض للظلم والخداع فأضحك ممَّن يظنُّ أنَّني لا أعرف أنَّني ظُلِمْتُ وخُدِعْت»
جبران خليل جبران
أقرأ ايضاً
- السجنُ لايشبه أيَّ عالم آخر
- ثقافة تقبّل الآخر المختلف
- هل المقاطعة هي الطريق إلى الإصلاحات الدستورية أم أنها الدَرس الأخير في الانتخابات؟